للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكُمَيْتِ (١):

هل مَن بَكَى الدارَ رَاجٍ أَن تَحِسَّ له … أو يُبْكِىَ الدارَ ماءُ العَبْرَةِ الخَضِلُ (٢)

يعنى بقولِه: أن تَحِسَّ له: أن تَرِقَّ له.

فتأويلُ الكلامِ: فلمَّا وجَد عيسى مِن بنى إسرائيلَ الذين أرْسَله اللهُ إليهم، جحودًا لنبوتِه، وتكذيبًا لقولِه، وصدًّا عمّا دعاهم إليه مِن أمرِ اللهِ، قال: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ يعنى بذلك: قال عيسى: مَن أعْواني على المكذِّبين بحجةِ اللهِ والمُوَلِّين عن دينِه، والجاحدِين نبوةَ نبيِّه، إلى اللهِ ﷿؟

ويعنى بقولِه: ﴿إلَى اللهِ﴾: مع اللهِ.

وإنما حَسُن أن يُقالَ: ﴿إلَى اللهِ﴾. بمعنى: مع اللهِ؛ لأن مِن شأنِ العربِ إذا ضمُّوا الشيءَ إلى غيرِه، ثم أرادوا الخبرَ عنهما بضمِّ أحدِهما مع الآخرِ إِذا ضُمَّ إليه، جعلوا مكانَ "مع" "إلى" أحيانًا، وأحيانًا تُخبِرُ عنهما بـ"مع"، فتقولُ: الذَّوْدُ (٣) إلى الذودِ إبلٌ. بمعنى: إذا ضمَمْتَ الذَّوْدَ إلى الذودَ صارت إبلًا. فأما إذا كان الشيءُ مع الشيءٍ لم يَقُولوه بـ"إلى"، ولم يَجْعَلوا مكانَ "مع" "إلى"، غيرُ جائزٍ أن يُقال: قدِم فلانٌ وإليه مالٌ. بمعنى: ومعه مالٌ.

وبمثلِ ما قلْنا في تأويلِ قولِه: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ قال جماعةٌ


(١) شعر الكميت بن زيد الأسدى ٢/ ١٢.
(٢) الخضل: كل شيء نَدٍ يَتَرَشَّش من نداه فهو خضل، وقد خضل الثوبَ دمعُه: بَلَّه. اللسان (خ ض ل).
(٣) الذَّود: ثلاثة أبعرة إلى التسعة. وقيل: إلى العشرة. وقيل: من ثلاث إلى خمس عشرة. وقيل: من ثلاث إلى العشرين وفويق ذلك. وقيل: ما بين الثلاث إلى الثلاثين أو ما بين الثنتين إلى التسع. تاج العروس (ذ و د).