للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قتادةَ، عن عبدِ الرحمنِ بن آدمَ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسول الله "الأنبياءُ إخْوةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهم شَتَّى، ودينُهم واحدٌ، وأنا أوْلَى الناسِ بعيسى ابن مريمَ؛ لم يَكُنْ بينى وبينَه نبيٌّ، وإنه خَليفتي على أمَّتي، وإنه نازلٌ، فإذا رأيْتُموه فاعْرِفوه، فإنه رجلٌ مَرْبوعُ الخَلْقِ إلى الحُمْرَةِ والبَياضِ، سَبْطُ الشعَرِ كأن شعَرَه يَقْطُرُ، وإن لم يُصِبْه بَلَلٌ، بينَ مُمَصَّرَتين (١)، يَدُقُّ الصليبَ، ويَقْتُلُ الخِنْزِيرَ، ويَفِيضُ المالُ، ويُقاتِلُ الناسَ على الإسلامِ حتى يُهْلِكَ اللهُ في زمانِه المِلَلَ كلَّها، ويُهْلِكُ اللهُ في زمانِه مَسيحَ الضَّلالةِ الكذَّابَ الدجالَ، وتَقَعُ في الأرضِ الأَمَنةُ، حتى تَرْتَعَ الأسودُ مع الإبلِ، والنَّمِرُ مع البقرِ، والذئابُ مع الغنَمِ، وتَلْعَبَ الغِلمانُ بالحَيَّاتِ، لا يَضُرُّ بعضُهم بعضًا، فيَثْبُتُ في الأرضِ أربعين سنةً، ثم يُتَوَفَّى، ويُصَلِّي المسلمون عليه ويَدْفِنُونه" (٢).

قال أبو جعفرٍ: ومعلومٌ أنه لو كان قد أماته اللهُ ﷿ لم يَكُنْ بالذي يُمِيتُه مِيتةً أُخرى، فيَجْمَعَ عليه مِيتَتَيْن؛ لأن الله ﷿ إِنما أَخْبَر عِبادَه أَنه يَخْلُقُهم ثم يُمِيتُهم، ثم يُحْيِيهم، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الروم: ٤٠].

فتأويلُ الآيةِ إذن: قال اللهُ لعيسى: يا عيسى إنى قابِضُك مِن الأرضِ، ورافعُك إليَّ، ومُطَهِّرُك من الذين كفَروا فجحَدوا نبوَّتَك.

وهذا الخبرُ وإن كان مخرجُه مخرجَ خبرٍ، فإن فيه مِن الله ﷿ احْتجاجًا على الذين حاجُّوا رسولَ اللهِ في عيسى مِن وفدِ نَجْرانَ، بأن عيسى لم يُقْتَلْ ولم


(١) الممصرة من الثياب: التي فيها صفرة خفيفة. النهاية ٤/ ٣٣٦.
(٢) أخرجه أحمد ١٥/ ١٥٣، ١٥٤ (٩٢٧٠)، وأبو داود (٤٣٢٤)، وابن حبان (٦٨٢١)، والحاكم ٢/ ٥٩٥ من طريق قتادة به، وسيأتي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به في ٧/ ٦٧٤.