للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمَسْكنة، وأما في الآخِرةِ فبنارِ جهنمَ خالِدين فيها أبدًا. ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾. يقولُ: وما لهم مِن عذابِ اللهِ مانعٌ، ولا عن أليمِ عقابِه لهم دافعٌ، بقوةٍ ولا شَفاعةٍ؛ لأنه العزيزُ ذو الانتقامِ.

وأما قولُه: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. فإنه يعْنى تعالى ذكرُه: وأما الذين آمَنوا بك يا عيسى - يقولُ: صدَّقوك - فأَقَرُّوا بنبوَّتِك وبما جئتَهم به مِن الحقِّ مِن عندِى، ودانُوا بالإسلامِ الذي بعَثْتُك به، وعمِلوا بما فرَضْتُ مِن فَرائضِى على لسانِك، وشرَعْتُ مِن شَرائعي، وسنَنْتُ مِن سُننى.

كما حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. يقولُ: أَدَّوْا فَرائضِى (١).

﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ يقولُ: فيُعْطِيهم جزاءَ أعمالِهم الصالحةِ كامِلًا، لا يُبْخَسون منه شيئًا ولا يُنْقَصُونه.

وأما قولُه: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾. فإنه يعْنى: واللهُ لا يُحِبُّ مَن ظَلَم غيرَه حقًّا له، أو وضَع شيئًا في غير موضعِه.

فنفَى جلَّ ثناؤُه عن نفسِه بذلك أن يَظْلِمَ عبادَه، فيُجازِىَ المسيءَ ممَّن كفَر جزاءَ المحسنين ممَّن آمَن به، أو يُجازِىَ المحسِنَ مُمَّن آمَن به واتَّبَع أمرَه، وانْتَهى عما نهاه عنه فأطاعَه، جزاءَ المُسِيئين ممَّن كفَر به، وكذَّب رسلَه، وخالَف أمرَه ونهيَه، فقال: إنى لا أُحِبُّ الظالمينَ، فكيف أَظْلِمُ خَلْقى؟

وهذا القولُ مِن اللهِ تعالى ذكرُه وإن كان خرَج مَخرجَ الخبر، فإنه (٢) وعيدٌ منه


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٧ إلى المصنف.
(٢) في م: "كأنه".