للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْطِقِها ببعضٍ مِن بعضٍ، إذا كان البعضُ الظاهرُ دالًّا على البعضِ الباطنِ وكافيًا منه، فقولُه (١): ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾. من ذلك؛ لأن أمْرَ اللَّهِ جل ثناؤُه عبادَه مسألتَه المعونةَ، وطلبَهم منه الهدايةَ للصراطِ المستقيمِ، لمَّا كان متقدمًا قولَه: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾. الذي هو إبانةٌ عن الصراطِ المستقيمِ، وإبدالٌ منه - كان معلومًا أن النعمةَ التي أنْعَم اللَّهُ بها على مَن أمَرنا (٢) بمسألتهِ الهدايةَ لطريقِهم، هو المنهاجُ القويمُ (٣)، والصراطُ المستقيمُ، الذي قد قدَّمْنا البيانَ عن تأويلِه آنفًا، فكان ظاهرُ ما ظهَر مِن ذلك - مع قربِ تَجاوُرِ الكلمتَيْن - مُغْنِيًا عن تَكْرارِه، كما قال نابغةُ بني ذُبْيانَ (٤):

كأنك مِن جِمالِ بني أُقَيْشٍ … يُقَعْقَعُ (٥) خلفَ رِجْلَيْه بشَنِّ (٦)

يريدُ: كأنك مِن جِمالِ بني أُقَيْشٍ، جملٌ يُقَعْقَعُ خلفَ رجليه بشَنٍّ. فاكْتَفَى بما ظهَر مِن ذكرِ الجِمالِ الدالِّ على المحذوفِ مِن إظهارِ ما حذَف.

وكما قال الفَرَزْدَقُ بنُ غالبٍ (٧):

تَرَى أرْباقَهم (٨) مُتَقَلِّدِيها … إذا صَدِئَ الحديدُ على الكُمَاةِ (٩)


(١) في ص، ر: "بقوله".
(٢) في ر: "أمر".
(٣) في ر: "القديم".
(٤) ديوانه ص ١٩٨.
(٥) في المثل: فلان لا يقعقع له بالشنان. أي لا يخدع ولا يروع. وأصله من تحريك الجلد اليابس للبعير ليفزع. اللسان (ق ع ع).
(٦) الشن: القربة الخلَق. اللسان (ش ن ن).
(٧) ديوانه ص ١٣١.
(٨) الأرباق جمع الرِّبق: الحبل والحلقة تشد بها الغنم الصغار لئلا ترضع. اللسان (ر ب ق).
(٩) الكماة جمع الكمى: البطل الشجاع الجريء. التاج (ك م ى).