للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما حدَّثني المُثَنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يحيى بنُ آدم، عن ابن عُيَيْنةَ، عن حُميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ أنه قرأ: (بما كُنْتُم تَعْلَمُونَ الكِتابَ وبما كُنْتُم تَدْرُسون). مُخفَّفَةً بنصبِ التاءِ (١)، وقال ابن عُيَينةَ: ما عَلَّموه حتى عَلِموه (٢).

وأوْلَى القراءتَيْن بالصوابِ في ذلك (٣) قراءةُ مَن قرأَه بضمِّ التاءِ وتشديدِ اللَّامِ؛ لأنَّ اللَّهَ ﷿ وصف القومَ بأنهم أهلُ عمادٍ للناس في دينِهم ودنياهم، وأهلُ إصلاحٍ لهم ولأمورِهم، وتربيةٍ، يقول جل ثناؤه: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾. على ما بَيَّنَّا قَبلُ مِن معنى الربانيِّ، ثم أخبرَ تعالى ذِكرُه عنهم أنهم صاروا أهلَ إصلاحٍ للناسِ وتربيةٍ لهم، بتعليمهم إيَّاهم كتاب ربِّهم.

ودِراستهم إيَّاه تلاوتُه. وقد قيل: دِراستُهم الفقهُ.

وأشبه التأويلينْ بالدراسةِ ما قلنا مِن تلاوةِ الكتاب؛ لأنه عطفٌ على قولِه: تُعَلِمُونَ الْكِتَب. والكتاب هو القرآنُ، فلأن تكون الدراسة مَعنيًّا بها دراسةُ القرآنِ، أَوْلَى مِن أنْ يكونَ معنيًّا بها دراسةُ الفقه الذي لم يجرِ له ذكرٌ.


(١) كذا قال المصنف، وقد نص في المحرر الوجيز ٢/ ٤٨٦، والبحر المحيط ٢/ ٥٠٦، أن قراءته بفتح التاء والعين واللام المشددة، أي: تتعلمون.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٩٢ (٣٧٥١) من طريق يحيى بن آدم به، قال: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ﴾: حقيقة ما علموه حتى علموا.
ثم أورد في الأثر (٣٧٥٣) بسند آخر إلى سفيان بن عيينة، قال: من قرأها ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ﴾ قال: يقول: علِموا وعمِلوا ثم علَّموا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٤٧ كالذى عندنا أيضًا سواء، وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) قال أبو حيان في البحر المحيط ٢/ ٥٠٦: وتكلموا في ترجيح إحدى القراءتين على الأخرى، وقد تقدم أنى لا أرى شيئًا من هذه التراجيح؛ لأنها كلها منقولة متواترة قرآنا، فلا ترجيح في إحدى القراءتين على الأخرى.