للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وابتداءِ خبرٍ مستأنفٍ. قالوا: فلمَّا صيَّر مكانَ "لَنْ" في قراءتِنا: ﴿لَا﴾ وجبتْ قراءتُه بالرفعِ.

وقرأَه بعضُ الكوفيين والبَصْريين ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾ بنصبِ الراءِ (١)، عطفًا على قوله: ﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ﴾. وكان تأويلُه عندهم: ما كان لبشرٍ أنْ يُؤتيه الله الكتابَ ثم يقولَ للناسِ، ولا أن يأْمُرَكم، بمعنى: ولا كان له أن يَأمرَكم أن تَتخِذوا الملائكةَ والنبيين أربابًا.

وأوْلى القراءَتينْ بالصوابِ في ذلك: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾. بالنصب على الاتصال بالذي قبله، بتأوُّل: ما كان لبشرٍ أن يُؤتيَه الله الكتاب والحُكْمَ والنبوةَ، ثم يقول للناس كونوا عبادًا لى مِنْ دُونِ اللَّهِ، ولا أنْ يأمُرَكم أن تتخذوا الملائكة والنبييِّن أربابًا. لأنَّ الآية نزلتْ في سببِ (٢) القومِ الذين قالوا لرسول الله : أتريدُ أن نَعبُدَك؟ فأَخْبَرهم اللهُ جلَّ ثناؤُه أنه ليس لنبيِّه أن يدْعُو الناسَ إلى عبادةِ نفْسِه، ولا إلى اتخاذِ الملائكةِ والنبييِّن، أربابًا، ولكن الذي له أن يدْعوَهم إلى أن يكونوا رَبانييِّنَ.

فأما الذي ادَّعَى مَن قرأ ذلك رفعًا أنه في قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (ولن يأمرَكم). اسْتِشهادًا لصحةِ قراءتِه بالرفع، فذلك خبرٌ غير صحيحٍ سَنَدُه، وإنما هو خبرٌ رواه حجاجٌ، عن هارون الأعورِ (٣) أنّ ذلك في قراءةِ عبدِ اللَّهِ كذلك، ولو كان ذلك خبرًا صحيحًا سَندُه، لم يكن فيه لمحتجٍّ حجةٌ؛ لأنّ ما كان على صحته من القراءة من


(١) وهى قراءة عاصم وابن عامر وحمزة. السبعة لابن مجاهد ص ٢١٣.
(٢) في م: "سب".
(٣) في م: "لا يجوز". ورسمه في باقى النسخ أقرب إلى المثبت. ينظر غاية النهاية ٢/ ٣٤٨، وتهذيب الكمال ٣٠/ ١١٥.