﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾. بمعنى إسقاط ﴿مِنْ﴾ غلطٌ؛ لأنّ "مِن" التي تدخلُ وتخرجُ لا تقعُ مواقع الأسماءِ. قال: ولا تقعُ في الخبرِ أيضًا، إنما تقعُ في الجَحْدِ والاستفهامِ والجزاءِ.
وأوْلى الأقوالِ في تأويلِ هذه الآيةِ - على قراءةِ مَن قرَأ ذلك بفتحِ اللامِ - بالصَّوابِ: أن يكونَ قولُه: ﴿لَمَا﴾ بمعنى: لمهما. وأن تكونَ "ما" حرفَ جزاءٍ أُدخِلتْ عليها اللامُ، وصُيِّر الفعلُ معها على "فَعَلَ"، ثم أُجيبتْ بما تجابُ به الأيمانُ، فصارت اللامُ الأولى يَمِينًا، إِذْ تُلُقِّيت بجوابِ اليمينِ.
وقرأَ ذلك آخرونَ:(لما آتَيْتُكُم). بكسرِ اللامِ مِن "لما"، و ذلك قراءةُ جماعةٍ مِن أهلِ الكوفةِ.
ثم اختلفَ قارئو ذلك كذلك في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معناه إذا قُرئ كذلك: وإِذْ أخذَ اللَّهُ ميثاقَ النبيينَ للذى آتيتُكم. فـ "ما" على هذه القراءةِ بمعنَى "الذي" عندهم. وكان تأويلُ الكلامِ: وإذْ أخذَ اللَّهُ ميثاقَ النبيينَ من أجلِ الذي أتاهم مِن كتابٍ وحِكْمةٍ، ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ﴾. يعنى: ثُم إِنْ جاءكم رسولٌ، يَعنى ذِكْرَ محمدٍ في التوراةِ - ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾. أي: لَيكونَنَّ إيمانُكم به للذى عندَكم في التوراةِ مِن ذِكرِه.
وقال آخرون منهم: تأويلُ ذلك إذا قُرئ بكسرِ اللام من (لِما): وإذْ أخَذ اللهُ ميثاقَ النبيينَ للذى آتاهم من الحِكْمةِ. ثم جعَل قولَه: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾. من الأَخْذِ، أخْذِ الميثاقِ، كما يقالُ في الكلامِ: أخذتُ ميثاقَك لَتفعلَنَّ. لأنّ أَخْذَ الميثاقِ بمنزلةِ الاستِخْلافِ. فكان تأويلُ الكلامِ عندَ قائلِ هذا القولِ: وإذ استَخْلف اللهُ النّبيينَ للذى آتاهم مِن كتابٍ وحكمةٍ، متى جاءَهم رسولٌ مُصدِّقٌ لما معهم لَيَؤْمِنُنَّ به ولَينصُرنَّه.