للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم - يعنى: على أهلِ الكتابِ - وعلى أنبيائِهم مِن الميثاقِ بتصْديقِه - يعنى: بتصديق محمدٍ - إذا جاءَهم، وإقرارِهم به على أنفُسِهم، فقال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ إلى آخرِ الآيةِ (١).

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا يونسُ بنُ بكيرٍ، قال: ثنا محمدُ بن إسحاقَ، قال: ثنى محمدُ بنُ أبى محمدٍ مولَى زيدِ بن ثابتٍ، قال: ثني سعيدُ بنُ جُبيرٍ، أو عكرمةُ، عن ابن عباسٍ مثلَه (٢).

وأوْلَى هذه الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى ذلك الخبرُ عن أَخْذِ اللهِ الميثاقَ مِن أنبيائِه، بتصديقِ بعضِهم بعضًا، وأخْذِ الأنبياءِ على أُممِها وتُباعِها الميثاقَ بنحوِ الذي أخَذ عليها رَبُّها، مِن تَصْدِيقِ أنبياءِ اللَّهِ ورسلِه بما جاءتها به؛ لأنَّ الأنبياءَ بذلك أُرسلَتْ إلى أُمَمِها، ولم يَدَّعِ أحدٌ ممِن صدَّق المرسليَن أنَّ نبيًّا أُرسِلَ إلى أُمَّةٍ بتكذيبِ أحدٍ مِن أنبياءِ اللَّهِ ﷿ وحُجَجِه في عبادِه، بل كلُّها - وإن كذَّب بعضُ الأُمَمِ بعضَ أنبياءِ اللهِ بجحودِها نبوَّتَه - مُقِرَةٌ بِأَنَّ مَن ثَبَتَتْ صحةُ نُبوَّتِه، فعليها الدَّيْنونَةُ بتصديقِه، فذلك ميثاقٌ مُقِرٌّ به جَميعُهم. ولا مَعنى لقولِ مَن زعم أنّ الميثاقَ إنما أُخِذَ على الأممِ دونَ الأنبياءِ؛ لأنَّ اللَّهَ ﷿ قد أخبَر أنه أخَذ ذلك مِن النَّبيينَ، فسواءٌ قال قائلٌ: لَم يأخذ ذلك منها ربُّها. أو قال: لم يأمرْها ببلاغِ ما أُرْسِلتْ. وقد نصَّ اللهُ ﷿ أنه أمرَها بتبليغِه؛ لأنهما جميعًا خَبرانِ مِن اللهِ عنها؛ أحدُهما أنه أخَذ منها، والآخرُ منهما أنه أمرَها، فإن جازَ الشكُّ في أحدِهما جازَ في الآخرِ. وأمَّا ما اسْتَشْهدَ به الربيعُ بنُ أنسٍ، على أنَّ المعنيَّ بذلك أهلُ


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٥٥. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٩٤، ٦٩٥ (٣٧٦٤) من طريق سلمة، عن محمد بن إسحاق قوله. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٤٧ إلى ابن المنذر.
(٢) أخرجه البيهقى في دلائل النبوة ٥/ ٣٨٤ من طريق يونس بن بكير به.