للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طريقًا إلى الحجِّ لا مانعَ له منه؛ مِن زَمانَةٍ، أو عجزٍ، أو عدوٍّ، أو قِلَّةِ ماءٍ في طريقه، أو زادٍ، وضعفٍ عن المشيِ، فعليه فرضُ الحج، لا يُجْزِئُه إِلَّا أَداؤُه. فإن لم يكنْ واجدًا سبيلًا - أعنى بذلك: فإن لم يكن مُطيقًا الحجِّ بتَعَذُّرِ بعضِ هذه المعانى التي وَصَفْناها عليه - فهو ممن لا يجدُ إليه طريقًا ولا يستطيعُه؛ لأن الاستطاعةَ إلى ذلك هو القدرةُ عليه كان عاجزًا عنه ببعضِ الأسبابِ التي ذَكَرْنا أو بغيرِ ذلك، فهو غيرُ مطيقٍ ولا مُستَطِيع إليه السبيلَ.

وإنما قلنا: هذه المقالةُ أولى بالصحَّةِ مما خالَفها؛ لأن الله ﷿ لم يَخصُص إذ أَلْزم الناسَ فرضَ الحجِّ - بعضَ مستطيعى السبيلِ إليه، بسقوطِ فَرْضِ ذلك عنه. فذلك على كلِّ مستطيعٍ إليه سبيلًا بعمومِ الآيةِ.

فأمَّا الأخبارِ التي رُويَتْ عن رسولِ اللهِ في ذلك بأنه الزادُ والراحلةُ، فإنها أخبارٌ في أسانيدِها نظرٌ، لا يجوزُ الاحتجاجُ بمثلِها في الدينِ.

واخْتَلف القرَأَةُ في قراءةِ "الحجِّ"، فقرَأ ذلك جماعةٌ من قرأةِ أهلِ المدينةِ والعراقِ بالكسرِ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ (١).

وقرَأ ذلك جماعةٌ أُخرى منهم بالفتحِ: (وللهِ على النَّاسِ حَجُّ البَيْتِ) (٢).

وهما لغتان معروفتان للعربِ، فالكسرُ لغةُ أهلِ نَجْدٍ، والفتحُ لغةُ أهلِ العاليةِ، ولم نرَ أحدًا مِن أهل العربيةِ ادَّعى فرقًا بينَهما في معنًى ولا غيرِه، غيرَ ما ذَكَرْنا من اختلافِ اللغتين، إلَّا ما حدَّثنا به أبو هشامٍ الرِّفاعيُّ، قال: قال


(١) وهى قراءة حمزة والكسائى وحفص عن عاصم. السبعة لابن مجاهد ص ٢١٤.
(٢) وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وأبى بكر عن عاصم، وابن عامر. المصدر السابق.