للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه الأوسُ والخزرجُ، وكان الظَّفَرُ فيه للأوسِ على الخزرجِ، فَفَعَلَ. فتَكَلَّم القومُ عندَ ذلك، فتنازعوا وتفاخروا، حتى تَوَاثَبَ رجلان من الحيَّيْن على الرُّكَبِ؛ أَوْسُ بنُ قَيْظِيٍّ، أحدُ بني حارثةَ بن الحارثِ، من الأوسِ، وجَبَّارُ بنُ صخرٍ، أحدُ بني سَلِمةَ من الخزرجِ، فتقاولا، ثم قال أحدُهما لصاحبِه: إن شئتم واللَّهِ رَدَدْناها الآنَ جَذَعةً (١). وغضِب الفريقان، وقالوا: قد فعَلْنا، السلاحَ السلاحَ، موعدُكم الظاهِرةُ. والظاهرةُ الحَرَّةُ. فخرَجوا إليها، وتَحَاوَزَ (٢) الناسُ، فَانْضَمَّتِ الأُوسُ بعضُها إلى بعضٍ، والخزرجُ بعضُها إلى بعضٍ، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهليةِ، فبلَغ ذلك رسول اللَّهِ ، فخرَج إليهم في مَن معه مِن المهاجرين من أصحابِه، حتى جاءهم، فقال: "يا معشرَ المسلمين، اللَّهَ اللَّهَ، أبِدعوَى الجاهليةِ وأنا بينَ أَظْهُرِكم، بعدَ إذ هداكم اللَّهُ إلى الإسلام، وأَكْرَمَكم به، وقطَع به عنكم أمرَ الجاهليةِ، واسْتَنْقَذكم به من الكفرِ، وألَّف به بينَكم، تَرْجِعون إلى ما كنتم عليه كفارًا"؟ فعرَف القومُ أَنها نَزْعَةٌ من الشيطانِ، وكيدٌ من عدوِّهم، فأَلْقَوُا السلاحَ من أيدِيهِم، وبكَوْا، وعانَق الرجالُ من الأوسِ والخزرجِ بعضُهم بعضًا، ثم انْصَرَفوا مع رسولِ اللَّهِ سامعين مطيعين، قد أَطْفأ اللَّهُ عنهم كيدَ عدوِّ اللَّهِ شأْسِ بن قيسٍ وما صنَع، فأَنْزَلَ اللَّهُ في شأْسِ بن قيسٍ وما صنَع: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ الآية. وأَنزل اللَّهُ ﷿ في أوسِ بن قَيْظيٍّ وجَبَّارِ بن


(١) أعدتُ الأمر جذعًا جديدًا كما بدأ. التاج (ج ذ ع).
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت: "تحاور"، وقد سقط هذا الحديث بطوله وفقرة بعده من "س". وتحاوروا: تراجعوا الكلام بينهم، وتجادلوا. وتَحَاوَز الفريقان في الحرب: انحاز كل واحد منهما عن الآخر. وواضح من هنا بُعدُ معنى التحاور - بالراء - عن السياق وغرابته، لذا أثبتناها بالزاى. وينظر التاج (ح و ر، ح و ز).