للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما حدَّثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمةُ، قال: قال ابن إسحاقَ: كانت الحربُ بينَ الأوسِ والخزرجِ عشرين ومائةَ سنةٍ، حتى قام الإسلامُ وهم على ذلك، فكانت حربُهم بينَهم وهم أخوان لأبٍ وأمٍّ، فلم يُسمَعْ بقومٍ كان بينَهم مِن العداوةِ والحربِ ما كان بينَهم، ثم إن اللَّهَ ﷿ أطفَأ ذلك بالإسلامِ، وألَّف بينَهم برسولِه محمد (١).

فذكَّرهم جلَّ ثناؤه إذ وعظَهم، عظيمَ ما كانوا فيه في جاهليتِهم مِن البلاءِ والشقاءِ، بمعاداةِ بعضِهم بعضًا، وقتلِ بعضِهم بعضًا، وخوفِ بعضِهم مِن بعضٍ، وما صاروا إليه بالإسلامِ، واتباعِ الرسولِ والإيمان به، وبما جاء به من الائتلاف والاجتماعِ، وأمْنِ بعضِهم مِن بعضٍ، ومصيرِ بعضِهم لبعضٍ إخوانًا.

وكان سببَ ذلك ما حدَّثنا به ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، قال: ثنى ابن إسحاقَ، قال: ثنا عاصمُ بنُ عمرَ بن قتادةَ المدنيُّ (٢)، عن أشياخٍ مِن قومِه، قالوا: قدِم سُويدُ بنُ صامتٍ، أخو بني عمرِو بن عوفٍ، مكةَ حاجًّا أو معتمِرًا. قال: وكان سويدٌ إنما يُسَمِّيه قومُه فيهم الكاملَ: الجَلَدِه وشِعْرِه ونسبِه وشرفِه. قال: فتَصدَّى له رسولُ اللَّهِ حينَ سمع به، فدعاه إلى اللَّهِ ﷿ وإلى الإسلامِ، قال: فقال له سُويدٌ: فلعلَّ الذي معك مثلُ الذي معى. قال: فقال له رسولُ الله: "وما الذي معك؟ " قال: مَجَلَّةُ لُقمانَ - يعني حكمةَ لقمانَ - فقال له رسولُ الله : "اعْرِضْها عليَّ". فعرَضها عليه، فقال: "إن هذا الكلامٌ (٣) حسَنٌ، معى أفضلُ مِن


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٦١ إلى المصنف مختصرًا.
(٢) في ص، ت ١، ت ٣، س: "الكفرى"، وفي ت ٢: "الكفوى".
(٣) في م: "الكلام".