للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلَف أهلُ العربيةِ في وجهِ تكريرِ اللهِ تعالى ذكرُه اسمَه مع قوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾. ظاهرًا، وقد تقدَّم اسمُه ظاهرًا مع قوله: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾؛ فقال بعضُ أهل العربيةِ من أهلِ البصرةِ: ذلك نظيرُ قولِ العربِ: أمَّا زيدٌ فذهَب زيد. وكما قال الشاعرُ (١):

لا أرى الموتَ يَسْبِقُ الموتَ شيءٌ … نغَّصَ الموتُ ذا الغِنَى والفقيرا

فأظهر في موضعِ الإضمارِ.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: ليس ذلك نظيرَ هذا البيتِ؛ لأن موضع الموتِ الثاني في البيتِ موضعُ كناية؛ لأنه كلمةٌ واحدةٌ، وليس ذلك كذلك في الآية؛ لأن قوله: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾. خبرٌ ليس من قوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ في شيءٍ، وذلك أن كلَّ واحدةٍ (٢) من القصتين مفارقٌ معناها معنى الأخرى، مكتفيةٌ كلُّ واحدة منهما بنفسها، غيرُ محتاجةٍ إلى الأخرى، كما (٣) قال الشاعرُ: لا أرى الموت. محتاجٌ إلى تمامِ الخبرِ عنه.

وهذا القولُ الثاني عندنا أولى بالصواب؛ لأن كتابَ اللهِ ﷿ لا تُوجَّه (٤) معانيه وما فيه من البيان إلى الشواذِّ من الكلامِ والمعاني، وله في الفصيحِ من المنطقِ والظاهرِ مِن المعانى المفهوم وجهٌ صحيحٌ موجودٌ.


(١) البيت لعدى بن زيد، كما في أمالي ابن الشجرى ١/ ٢٤٣، والخزانة ١/ ٣٨١. ونسبه في الكتاب ١/ ٦٢، واللسان (ن غ ص) إلى ابنه سوادة. وفى نسخة من الكتاب: سواد. والصحيح أنه لعدى بن زيد، فهو في ديوانه ص ٦٥، كما في حاشية النكت للأعلم ١/ ١٩٨.
(٢) في ص، ت ١، س: "واحد".
(٣) كذا في النسخ، ولعل الصواب: "وما".
(٤) في م، ت ٢، ت ٣: "تؤخذ"، وفى ت ١، س: "يوجد"، وغير منقوطة في ص. والمثبت ما يقتضيه السياق.