للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، قال: ثني محمدُ بنُ أبي محمدٍ، عن عِكْرمةَ، أو عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ﴾. أى: بكتابِكم وكتابِهم، وبما مضَى من الكتبِ قبلَ ذلك، وهم يكفُرون بكتابِكم، فأنتم أحقُّ بالبَغْضاءِ لهم، منهم لكم (١).

وقال: ﴿هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ﴾. ولم يَقُلْ: هؤلاء (٢) أنتم. ففَرَّق بينَ "ها" و "أولاءِ"، بكنايةِ اسمِ المخاطَبين؛ لأن العربَ كذلك تفعَلُ في "هاذا"، إذا أرادَت به التقريبَ ومَذْهَبَ النُّقْصانِ الذى يَحتاجُ إلى تَمامِ الخبرِ، وذلك مثلُ أن يقالَ لبعضِهم: أين أنت؟ فيجيبُ المقولُ ذلك له: ها أنا ذا. فَتُفَرِّقُ بين التَّنبيهِ، و "ذا" (٣) بمَكْنِيِّ اسمِ نفسِه، ولا يَكادون يقولون: هذا أنا. ثم يُثَنَّى ويُجْمَعُ على ذلك، وربما أعادوا حرفَ التَّنْبيهِ مع "ذا"، فقالوا: ها أنا هذا. ولا يفعَلون ذلك إلا فيما كان تقريبًا، فأما إذا كان على غيرِ التَّقريبِ والنقصانِ، قالوا: هذا هو، وهذا أنت. وكذلك يفعَلون مع الأسماءِ الظاهرةِ، يقولون: هذا عمرٌو قائمًا وإن كان "هذا" تَقْريبًا. وإنما فعَلوا ذلك فى المكْنيِّ مع التقريبِ؛ تَفْرقةً بين "هذا" إذا كان بمعنى الناقصِ الذى يحتاجُ إلى تَمامٍ، وبينَه إذا كان بمعنى الاسمِ الصحيحِ.

وقولُه: ﴿تُحِبُّونَهُمْ﴾ خبرٌ للتقريبِ.

وفى هذه الآية إبانةٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عن حالِ الفريقَين -أعنى المؤمنين والكافرين- ورحمةِ أهلِ الإيمانِ ورَأْفتِهم بأهلِ الخلافِ لهم، وقَساوةِ قلوبِ أهلِ الكفرِ وغِلْظتِهم على أهلِ الإيمانِ.


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٥٨، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور ٢/ ٦٦ إلى ابن المنذر.
(٢) في الأصل، ص، ت ١: "هذا".
(٣) في الأصل، ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أولاء".