للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ الآية كلّها، قالوا لرسولِ اللهِ وهم ينتظرون (١) المشركين: يا رسولَ اللهِ، أليس يُمِدُّنا اللهُ كما أمَدَّنا يومَ بدرٍ؟ فقال رسولُ اللهِ : ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾، وإنما أمَدَّكم يومَ بدرِ بألفٍ". قال: فجاءت الزيادةُ من اللهِ على أن يَصْبِرُوا ويَتَّقُوا. قال: بشرطِ أن ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ﴾ الآية كلّها (٢).

وأولى الأقوالِ فى ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إِن اللَّهَ ﷿ أخبرَ عن نبيِّه محمدٍ أنه قال للمؤمنين: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾، فوعَدهم ثلاثةَ آلافٍ من الملائكةِ مَدَدًا لهم، ثم وَعَدهم بعدَ الثلاثةِ الآلافِ خمسةَ آلافٍ إن صَبَروا لأعدائِهم واتَّقَوا اللهَ، ولا دلالةَ في الآيةِ على أنهم أُمِدُّوا بالثلاثةِ الآلافِ، ولا بالخمسةِ الآلافِ، ولا على أنهم لم يُمَدُّوا بهم.

وقد يجوزُ أن يكونَ اللهُ ﷿ أمَدَّهم، على نحوِ ما رَواه الذين أثْبَتوا أنه أمَدَّهم. وقد يجوزُ أن يكونَ لم يُمِدَّهم، على نحوِ الذي ذكَره مَن أنكَر ذلك، ولا خبرَ عندَنا صَحَّ من الوَجْهِ الذى يَثبُتُ أنهم أُمِدُّوا بالثلاثةِ الآلافِ، ولا بالخمسةِ الآلافِ، وغيرُ جائزٍ أن يقالَ فى ذلك قولٌ إلا بخبرٍ تقومُ الحُجَّةُ به، ولا خبرَ به كذلك، فنُسَلِّمُ لأحدِ الفريقَين قولَه؛ غيرَ أن فى القرآنِ دلالةً على أنهم قد أُمِدُّوا يوم بدرٍ بألفٍ من الملائكةِ، وذلك قولُه : ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩]. فأما في يومِ أُحُدٍ، فالدلالةُ على أنهم لم يُمَدُّوا أبينُ منها فى أنهم أُمِدُّوا، وذلك أنهم لو أُمِدُّوا


(١) فى م: "ينظرون".
(٢) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٢/ ٦٩ إلى المصنف.