للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفت القرأةُ فى قراءةِ قولِه: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ والكوفةِ: (مُسَوَّمين) بفتحِ الواوِ (١)، بمعنى: أن اللَّهَ سَوَّمها.

وقرَأ ذلك بعضُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ والبصرةِ: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ بكسرِ الواوِ (٢). بمعنى أن الملائكةَ سَوَّمَت أَنفُسَها (٣).

وأولى القراءتين فى ذلك بالصوابِ قراءةُ مَن قرَأ بكسرِ "الواو"؛ لتظاهُرِ الأخبارِ عن أصحابِ (٤) رسولِ اللهِ ، [وأهلِ] (٥) التأويلِ منهم ومن التابعين بعدَهم، بأن الملائكةَ هى التى سَوَّمَت أنفسَها، من غيرِ إضافةِ تَسْويمِها إلى اللهِ ﷿، أو إلى غيرِه من خلقِه.

ولا معنى لقولِ مَن قال: إنما كان يُختارُ الكسرُ في قولِه: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾. لو كان في البَشَرِ، فأما فى الملائكةِ فوَصْفُهم غيرُ ذلك، ظَنًّا منه بأن الملائكةَ غيرُ ممكنٍ فيها تَسْويمُ أنفسِها إمكانَ ذلك فِى البَشَرِ، وذلك أنه غيُر مستحيلٍ أن يكونَ اللهُ ﷿ مَكَّنها من تَسْويمُ أنفسِها نَحْوَ (٦) تَمْكينِه البشرَ من تَسْويمِ أنفسِهم، فسَوَّموا أنفسَهم نَحْو (٦) الذى سَوَّم البشرُ، طلبًا منها بذلك طاعةَ ربِّها، فأُضِيف تَسْويمُها أنفسَها إليها، وإن كان ذلك عن تَسْبيبِ اللهِ لهم أسبابَه، وهى إذا كانت موصوفةً بتَسْوِيمِها أَنفسَها؛ تَقَرُّبًا منها إلى ربِّها، كان أبلغَ في مدحِها، لاختيارِها طاعةَ اللَّهِ، من أن تكونَ موصوفةً بأن ذلك مفعولٌ بها.


(١) هي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٢١٦.
(٢) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم. السبعة لابن مجاهد ص ٢١٦.
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س "لنفسها".
(٤) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٥) فى ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "فأهل".
(٦) فى م: "بحق".