للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَدَح بتركِ الإصرارِ على الذنبِ مُوَاقِعَ الذنبِ، فقال ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾، ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا﴾. ولو كان المُوَاقِع الذنبَ مُصِرًا بمُواقعته إياه، لم يكنْ للاستغفار وَجهٌ مفهومٌ؛ لأن الاستغفارَ من الذنبِ إنما هو التوبةُ منه والندمُ، ولا يُعرَفُ للاستغفارِ من ذنبٍ لم يُواقِعه صاحبه وَجْهٌ.

وقد رُوِى عن رسولِ اللهِ أنه قال: "ما أصَرَّ مَن استغفَر، وإن عاد في اليومِ سبعين مرةً".

حدَّثني بذلك الحسينُ بنُ يزيدَ السَّبِيعيُّ، قال: ثنا عبدُ الحميدِ الحِمَّانيُّ، عن عثمانَ بن واقدٍ، عن أبي نُصَيرةَ (١)، عن مولًى لأبي بكرٍ، عن أبي بكرٍ، عن رسولِ اللهِ (٢).

فلو كان مُواقِعُ الذنبِ مُصِرًا، لم يكنْ لقولِه: "ما أَصَرَّ مَن استغفَر وإن عاد في اليومِ سبعين مرةً"، معنًى؛ لأن مُواقَعةَ الذنبِ، إذا كانت هي الإصرارُ، فلا يُزِيلُ الاسم الذي لَزِمه معنًى غيرُه، كما لا يزيل عن الزاني اسَم زانٍ، وعن القاتلِ اسمَ قاتلٍ، توبته منه، ولا معنًى غيرها. وقد أبانَ هذا الخبرُ أن المُسْتغفِرَ من ذنبِه غيرُ مُصِرٍّ عليه، فمعلومٌ بذلك أن الإصرارَ غيرُ المُواقعةِ، وأنه المُقامُ عليه، على ما قلنا قبلُ.

واختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾؛ فقال بعضُهم: معناه، وهم يعلَمون أنهم قد أذنَبوا.


(١) في ص: "نضيرة" وفى س: "نصرة"، وينظر تهذيب الكمال ٣٤/ ٣٤٥.
(٢) أخرجه المروزي في مسند أبى بكر (١٢٢)، والترمذى (٣٥٥٩) عن الحسين بن يزيد السبيعي به، وأخرجه المروزي في مسند أبى بكر (١٢١)، وأبو يعلى (١٣٧، ١٣٨)، وابن السنى (٣٦١)، والبيهقى في الشعب (٦٤٢، ٧٠٩٩)، والبغوى (١٢٩٧) من طريق عبد الحميد الحماني به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٦٦ (٤١٨٤) من طريق عبد الحميد الحماني به، غير أنه قال: عن مولى لأبي بكر عن رسول الله. ولم يقل: عن أبي بكر. وأخرجه أبو داود في سننه ٢/ ٨٥ (١٥١٤)، والبيهقى ١٠/ ١٨٨ من طريق عثمان به وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٧٨ إلى عبد بن حميد.