للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انقِضاءِ مُدَّةِ أَجلِه، كسائرِ (١) رسلِه إلى خَلْقِه الذين مَضَوا قبلَه، وماتوا عندَ انقضاءِ مُدةِ آجالِهم. ثم قال لأصحابِ محمدٍ مُعاتِبَهم على ما كان منهم مِن الهَلَعِ والجَزَعِ، حينَ قيل لهم بأُحُدٍ: إن محمدًا قد قُتِلَ. ومُقَبِّحًا إليهم انصرافَ مَن انْصَرَف منهم عن عَدوِّهم وانْهِزامَه عنهم: أفإن مات محمدُ أيُّها القومُ؛ لانقضاءِ مُدَّةِ أجلِه، أو قتَله عَدُوُّه (٢)، ﴿انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾. يعنى ارْتَدَدتم عن دينِكم الذي بعَث اللهُ محمدًا بالدعاءِ إليه، ورجَعتم عنه كفارًا باللَّهِ بعدَ الإيمانِ به، وبعدَ ما قد وَضَحت لكم صِحةُ ما دعاكم محمدٌ إليه، وحقيقةُ ما جاءكم به مِن عندِ رَبِّه، ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾. يعنى بذلك: ومَن يَرْتَدَّ منكم عن دينِه ويَرْجِعْ كافرًا بعدَ إيمانِه ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾. يقولُ: فلن يُوهِنَ ذلك عِزَّةَ (٣) اللهِ ولا سلطانَه، ولا يَدْخُلُ بذاك نقصٌ في مُلْكِه، بل نفسَه يَضُرُّ برِدَّتِه، وحَظَّ نفسِه يَنْقُصُ بِكُفْرِهِ، ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾. يقولُ: وسيُثِيبُ اللهُ مَن شكَره على تَوْفِيقِه وهدايتِه إياه لدينِه بثبوتِه (٤) على ما جاء به محمدٌ إن هو مات أو قُتِل، واستقامتِه على مِنْهاجِه، وتَمَسُّكِه بدينِه ومِلَّتِه بعدَه.

كما حدَّثنا المُثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ هاشمٍ، قال: أخبرَنا سيفُ بن عمرَ (٥)، عن أبي رَوْقٍ، عن أبي أيوبَ، عن عليٍّ في قولِه: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾: الثابتين على دينِهم؛ أبا بكرٍ وأصحابَه.


(١) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "مدة".
(٢) في م: "عدوكم"، وفى ت ١ ت ٢، س: "عدوهم".
(٣) في ت ٢: "غيره".
(٤) في م: "بنبوته".
(٥) في م: "عمرو". وينظر تهذيب الكمال ١٢/ ٣٢٤.