للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، قال: قال ابن جُرَيْجٍ: قال أهلُ المرضِ والارْتيابِ والنفاقِ - حينَ فرَّ الناسُ عن النبيِّ : قد قُتِل محمدٌ، فالحقوا بدينكم الأول. فنزلت هذه الآيةُ (١).

ومعنى الكلامِ: وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلَت مِن قبلِه الرسلُ، [أفتَنْقَلِبون على أعقابكم] (٢) إن مات محمدٌ أو قُتِل؟ ومَن يَنْقَلِبْ على عقبيه فلن يَضُرَّ الله شَيئًا. فجعَل الاستفهامَ في حرفِ الجزَاءِ، ومعناه أن يَكونَ في جوابِه خبرٌ (٣)، وكذلك كلُّ استفهامٍ دخل على جزاءٍ، فمعناه أن يَكونَ في جوابِه خيرٌ (٣)؛ لأن الجواب خبرٌ يقومُ بنفسِه، والجزاء شرطٌ لذلك الخبر، ثم يُجْزَمُ جوابه وهو كذلك، ومعناه الرفعُ لمجيئِه بعدَ الجزاءِ، كما قال الشاعرُ (٤):

حلَفْتُ لَه إِن تُدْلِجِ اللَّيلَ لا يَزَلْ … أمَامَك بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِيَ سَائِرُ

فمعنى "لا يَزَلْ" رفعٌ، ولكنه جُزِم لمجيئِه بعدَ الجزاءِ، فصار كالجوابِ، ومثلُه: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤]. و [﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ﴾ [المزمل: ١٧]. ولو كان مكان ﴿فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ "يخلدون". وقيل: أفائن مِتَّ يَخْلُدوا] (٥). جاز الرفعُ فيه والجزمُ. وكذلك لو كان مكان "انقلبتم" "تنقلبوا"، جاز الرفعُ والجزمُ؛ لما وصفتُ قبلُ وتُركتْ إعادةُ الاستفهامِ ثانيةً مع قولِه: ﴿انْقَلَبْتُمْ﴾. اكتفاءً بالاستفهامِ في أولِ الكلامِ، وأن الاستفهامَ في أوَّلِه دالٌّ على مَوْضِعِه ومكانِه.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٨٠ إلى المصنف.
(٢) في ص: "فينقلبون على أعقابكم"، وفى س: "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم فينقلبون على أعقابهم".
(٣) هذه زيادة لازمة أثبتناها من معاني القرآن للفراء ١/ ٢٣٦.
(٤) هو الراعى النميرى، والبيت في ديوانه ص ١٢٩.
(٥) سقط من: س.