والوعدُ الذي كان وعَدَهم على لسانِه بأُحدٍ قولُه ﷺ للرُّماةِ:"اثْبُتوا مكانَكم ولا تَبْرَحوا وإن رأيْتُمونا قد هزَمْناهم، فإنا لن نَزالَ غالِبِين ما ثبَتُّم مكانَكم". وكان وعَدَهم رسولُ اللهِ ﷺ النصرَ يومئذٍ إن انتَهَوْا إلى أمرِه.
كالذى حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ، قال: لما بَرَز رسولُ اللهِ ﷺ إلى المشركين بأحدٍ، أمر الرُّماةَ، فقاموا بأصلِ الجبلِ في وجوهِ خيلِ المشركين، وقال:"لا تَبْرَحوا مكانَكم إن رأيتمونا قد هزَمناهم، فإنَّا لن نزالَ غالبين ما ثَبتُّم مكانَكم". وأمرَّ عليهم عبدَ اللهِ بنَ جُبيرٍ أخا خَوَّاتٍ بن جُبيرٍ.
ثم إن طلحةَ بنَ عثمانَ صاحبَ لواءِ المشركين قام فقال: يا معشرَ أصحابِ محمدٍ، إنكم تَزْعُمون أن الله يُعَجِّلُنا بسيوفِكم إلى النارِ، ويُعَجِّلُكم بسيوفِنا إلى الجنةِ، فهل منكم أحدٌ يُعَجِّلُه اللهُ بسيفى إلى الجنةِ، أو يعَجِّلُني بسيفه إلى النارِ؟ فقام إليه عليُّ بن أبى طالبٍ ﵁، فقال: والذي نفسي بيدِه، لا أُفَارِقُك حتى يُعَجِّلَك اللهُ بسيفى إلى النارِ، أو يُعَجِّلَنى بسيفِك إلى الجنةِ. فضرَبه عليٌّ، فقطَع رجلَه فسقَط، فانْكَشَفَت عورتُه، فقال: أَنْشُدُك الله والرحمَ يا بنَ عمِّ. فترَكه، فكبَّر رسولُ اللهِ ﷺ، وقال لعليٍّ أصحابُه: ما منَعك أن تُجْهِزَ عليه؟ فقال: إن ابنَ عمى ناشَدني الله حينَ انكَشَفت عورتُه، فاسْتَحْيَيْتُ منه.
ثم شدَّ الزبيرُ بنُ العوامِ والمِقْدادُ بنُ الأسودِ على المشركين، فهزَماهم، وحمَل النبيُّ ﷺ وأصحابُه، فهزَموا أبا سفيانَ، فلما رأَى ذلك خالدُ بنُ الوليدِ وهو على خيلِ المشركين حمَل، فرَمتْه الرُّماةُ فانْقَمَع، فلمَّا نظَر الرُّماةُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ وأصحابِه في جوفِ عسكرِ المشركين يَنْتَهِبونه، بادَروا الغنيمةَ، فقال بعضُهم: لا نَتْرُكُ أمرَ رسولِ ﷺ. فانْطَلَق عامتهم، فلحِقوا بالعسكرِ، فلما رأَى خالدٌ قلةَ الرُّماةِ صاح في خيلِه، ثم حمَل فقتَل الرُّماةَ، وحمَل على أصحابِ النبيِّ ﷺ، فلمَّا