للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعناه الاستقبالُ، إذ كان الموصوفُ بالفعلِ غيرَ مُوَقَّتٍ، وكان "الذين" في قوله: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾، غيرَ مُوقَّتِينَ - أُجْرِيَت مُجْرَى "مَن"، و "ما" في [توجيهها إلى] (١) مَذْهَبِ (٢) الجَزاءِ وإخراجِ صِلاتِها (٣) بألفاظِ الماضي من الأفعالِ، وهى بمعنى الاستقبالِ، كما قال الشاعرُ (٤):

وإني لآتِيكم تَشَكُّرَ ما مضَى … مِن الأمرِ واسْتِيجابَ ما كان في غَدِ

فقال: ما كان في غد. وهو يريدُ ما يكونُ في غدٍ، ولو كان أراد الماضيَ لَقال: ما كان في أمسِ. ولم يَجُزْ له أن يَقولَ: ما كان في غدٍ.

ولو كان "الذي" مُؤقَّتًا، لم يَجُزْ أن يُقالَ ذلك. خطاٌ أن يُقالَ: لأُكْرِمَنَّ (٥) هذا الذي أكْرَمَك إذا زُرْتَه. لأن "الذي" ههنا مُوَقَّتٌ، فقد خرَج مِن معنى الجَزاءِ، ولو لم يَكُنْ في الكلامِ "هذا"، لكان فصيحًا جائزًا؛ لأن "الذي" يَصيرُ حينَئذٍ مجهولًا غيرَ مُوَقَّتٍ، ومِن ذلك قولُ اللهِ جلّ ثناؤُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٢٥]. فردَّ ﴿يَصُدُّونَ﴾ على ﴿كَفَرُوا﴾؛ لأن ﴿الَّذِينَ﴾ غيرُ موقتةٍ، فقولُه: ﴿كَفَرُوا﴾. وإن كان في لفظِ ماضٍ، فمعناه الاستقبالُ. وكذلك قولُه: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [مريم: ٦٠]. وقولُه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤]. معناه: إلا الذين يَتُوبون مِن قبلِ أن تَقْدِروا عليهم، وإلا مَن يَتوبُ ويُؤْمِنُ. ونَظائرُ ذلك في


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "ترجمتها التي تذهب".
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٣) في س: "صفاتها".
(٤) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "في ما". والبيت تقدم في ٢/ ٢٥٧، ٢٥٨.
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لكن من"، وفى م: "لك من"، وفى س: "لكن في".