للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَن لم تكنْ بَصيرتُه بالإسلامِ البصيرةَ التي يُؤْمَنُ عليه معها فتنةُ الشيطانِ، وتعريفًا منه أمتَه مأْتى (١) الأمورِ التي تَحْزُبُهم مِن بعدِه ومطلبِها؛ ليقْتَدوا به في ذلك عندَ النَّوازلِ التي تَنْزِلُ بهم، فيَتَشاوَروا فيما بينَهم، كما كانوا يَرَوْنه في حياتِه يَفْعَلُه، فأما النبيُّ ، فإن الله جلَّ ثناؤه كان يُعَرِّفُه مَطالبَ وجوهِ ما حزَبه مِن الأمورِ، بوحيِه أو إلهامِه إياه صوابَ ذلك، فأما أمتُه، فإنهم إذا تَشاوَروا مُسْتَنِّين بفعلِه في ذلك على تصادُقٍ وتَأَخٍّ (٢) للحقِّ، وإرادةِ جميعِهم للصوابِ، مِن غيرِ مَيْلٍ إِلى هَوًى، ولا حَيْدٍ عن هُدًى، فاللهُ مُسَدِّدُهم ومُوَفِّقُهم.

وأما قولُه جلَّ وعزَّ: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾، فإنه يعنى: فإذا صحَّ عزمُك بتَثْبيتِنا إياك، وتَسْديدِنا لك، فيما نابَك وحزَبَك مِن أمرِ دينِك ودُنْياك، فامْضِ لما أمَرْناك به على ما أمَرْناك به، وافَقَ ذلك آراءَ أصحابِك وما أشارُوا به عليك، أو خالَفَها، وتوَكَّلْ (٣) - فيما تأْتى مِن أمورِك وتَدَعُ، وتُحاوِلُ أو تُزاوِلُ - على ربِّك، فثِقْ به في كلِّ ذلك، وارْضَ بقضائِه في جميعِه، دونَ آراءِ سائرِ خلقِه ومعونتِهم، فـ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، وهم الراضُون بقضائِه، المُسْتَسْلِمون لحكمِه فيهم، وافَق ذلك منهم هَوًى أو خالَفَه.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ﴾: أي على أمرٍ جاءك منى، أو أمرٍ مِن دينِك في جهادِ عدوِّك، لا يُصْلِحُك ولا يُصْلِحُهم إلا ذلك، فامْضِ على ما أُمِرْتَ به، على خلافِ مَن خالَفك، ومُوافَقَةِ مَن وافَقَك، ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾،


(١) في م: "ما في".
(٢) التأخي: التحرى. ينظر اللسان (أخ ا).
(٣) بعده في س: "على الله".