للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أنه مرادٌ به "يُغَلَّل": "يُفَعَّل (١) "، ثم خُفِّفَت العينُ من "يُفَعَّل"، فصارَت "يُفَعْل"، كما قرَأ مَن قرَأ قولَه: (فإنهم لا يُكْذِبونك) (٢) [الأنعام: ٣٣]. بتأوُّلِ: ﴿يُكَذِّبُونَكَ﴾.

وأولى القراءتين بالصوابِ في ذلك عندى قراءةُ مَن قرأَ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾. بمعنى: ما الغُلولُ من صفاتِ الأنبياءِ، ولا يكونُ نبيًّا مَن غَلَّ.

وإنما اخْتَرْنا ذلك لأن الله ﷿ أوْعَد عَقِيبَ قولِه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾. أهلَ الغُلولِ فقال: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ الآية والتي بعدَها. فكان في وَعِيدِه عَقِيبَ ذلك أهلَ الغلولِ الدليلُ الواضحُ على أنه إنما نهَى بذلك عن الغلولِ، وأخْبَر عبادَه أن الغلولَ ليس مِن صفاتِ أنبيائِه بقولِه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾. لأنه لو كان إنما نهَى بذلك أصحابَ رسولِ اللهِ أن يتَّهِموا رسولَ اللهِ بالغلولِ، لعقَّب ذلك بالوعيدِ على التُّهَمةِ وسوءِ الظنِّ برسولِ اللهِ ، لا بالوعيدِ على الغُلولِ، وفي تعقيبِه ذلك بالوعيدِ على الغلولِ بيانٌ بَيِّنٌ أنه إنما عرَّف المؤمنين وغيرَهم مِن عبادِه، أن الغلولَ مُنْتَفٍ مِن صفةِ الأنبياءِ وأخلاقِهم؛ لأن ذلك جُرْمٌ عظيمٌ، والأنبياءُ لا تَأْتى مثلَه.

فإن قال قائلٌ ممَّن قرَأ ذلك كذلك: فأولى منه: وَما كان لنبيٍّ أن يَخونَه أصحابُه. إن كان (٣) ذلك كما ذكَرْتَ، ولم يُعَقِّبِ اللهُ قولَه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾. إلا بالوعيدِ على الغلولِ، ولكنه إنما وجَب الحكمُ بالصحةِ لقراءةِ مَن قرَأ: "يُغَلَّ". بضمِّ الياءِ وفتحِ الغينِ؛ لأن معنى ذلك: وما كان للنبيِّ أن يَغُلَّه أصحابُه


(١) سقط من م.
(٢) سيأتي تخريج هذه القراءة في موضعها.
(٣) زيادة يقتضيها السياق وليست في النسخ.