للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا فائدةَ لهم فيه، ولا معنَى له مِن الكلامِ، الذي سواءٌ الخطابُ (١) به وتركُ الخطابِ به؛ وذلك إضافةُ العَبَثِ الذي هو مَنْفيٌّ في قولِ جميعِ المُوَحِّدين عن اللَّهِ، إلى اللَّهِ تعالى ذكرُه.

والوجهُ الثالثُ مِن خطئِه: أن "بل" في كلامِ العربِ مفهومٌ تأويلُها ومعناها، وأنها تُدْخِلُها في كلامِها رجوعًا عن كلامٍ لها قد تقَضَّى، كقولِهم: ما جاءني أخوك، بل أبوك، وما رأيتُ عمرًا، بل عبدَ اللَّهِ. وما أشْبَه ذلك مِن الكلامِ، كما قال أعْشَى بني ثَعْلبةَ (٢):

ولَأَشْرَبَنَّ ثَمانِيًا وثَمانِيًا … وثلاثَ عشْرةَ واثنتَيْن وأربعَا

ومضَى في كلمتِه حتى بلَغ قولَه:

بالجُلَّسَانِ (٣) وطَيِّبٍ أرْدانُه (٤) … بِالوَنِّ (٥) يَضْرِبُ لي يَكُرُّ (٦) الإصْبَعَا

ثم قال:

بل عَدِّ هذا في قَريضٍ غيرِه … واذكُرْ فتًى سَمْحَ الخَليقةِ أرْوَعا

فكأنه قال: دَعْ هذا، وخُذْ في قَريضٍ غيرِه. فـ "بل" (٧) إنما يَأْتي في كلامِ العربِ على هذا النحوِ مِن الكلامِ. فأما افتتاحًا لكلامِها مُبْتَدَأً بمعنى


(١) بعده في ص: "فيه".
(٢) البيتان الأولان في الشعر والشعراء ١/ ٢٥٨.
(٣) الجلسان، فارسي معرب، يقال: إنه الورد. ويقال: قبة يصنعونها ويجعلون عليها الورد. المعرب ص ١٥٣، ١٥٤. والبيت فيه.
(٤) الأردان، جمع رُدْن: وهو كم القميص. اللسان (ر د ن).
(٥) الونُّ: الصنج الذي يضرب بالأصابع. اللسان (و ن ن).
(٦) في ر، م: "يكد".
(٧) في ص، ر، ت ٢: "قيل".