للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾. أي فيما يريدُ أن يبتليَكم به؛ لتحذروا ما يدخُلُ عليكم فيه، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾: بِعِلْمِه (١).

وأولى الأقوال في ذلك بتأويلِه: وما كان اللَّهُ ليطلعَكم على ضمائرِ قلوبِ عبادِه، فتعرِفوا المؤمنَ منهم من المنافقِ والكافرِ، ولكنه يميِّزُ بينَهم بالمحنِ والابتلاءِ، كما ميَّز بينَهم بالبأساءِ يومَ أُحدٍ، وجهادِ عدوِّه، وما أشبَهَ ذلك من صنوفِ المحنِ، حتى تعرِفوا مؤمنَهم من كافرِهم ومنافقِهم، غيرَ أنه جل وعز يجتبى من رسلِه من يشاءُ، فيصطفيه، فيطلِعُه على بعضِ ما في ضمائرِ بعضِهم، بوحيِه ذلك إليه ورسالتِه.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾. [يجتبى: يَمتحِنُ؛ يُخْلِصُهم لنفسِه (٢).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾] (٣). قال: يُخلِصُهم لنفسِه.

وإنما قلنا: هذا التأويلُ أولى بتأويلِ الآيةِ؛ [لأن ابتداءَها] (٤) خبرٌ من اللَّهِ تعالى ذكرُه أنه غيرُ تاركٍ عبادَه - يعنى بغيرِ محَنٍ - حتى يفرَّقَ بالابتلاءِ بينَ مؤمنِهم وكافرِهم وأهلِ نفاقِهم، ثم عقَّب ذلك بقولِه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾.


(١) في مصدري التخريج: "يعلمه". والأثر في سيرة ابن هشام ٢/ ١٢١، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٨٢٥، ٨٢٦ (٤٥٦٩، ٤٥٧٣) من طريق سلمة به.
(٢) تفسير مجاهد ص ٢٦٢، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٢٥، ٨٢٦ (٤٥٧٠، ٤٥٧٢).
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٤) في ص: "ابتداءها". وفى م: "وابتداؤها". وفى ت ١، ت ٢، س: "وابتدأها".