للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شأنِها طلبُ اسمٍ وخبرٍ، فإذا قُرِئ قولُه: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ﴾، بالياءِ، لم يكنْ للمحسبةِ اسمٌ يكونُ قولُه: ﴿هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾. خبرًا عنه. وإذا قُرِئ ذلك بالتاءِ كان قولُه: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾. اسمًا له، قد أدَّى عن معنى البخلِ الذي هو اسمُ المحسبةِ المتروكُ، وكان قولُه: ﴿هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾. خبرًا لها، فكان جاريًا مَجْرَى المعروفِ من كلامِ العربِ الفصيحِ؛ فلذلك اخترنا القراءةَ بالتاءِ في ذلك على ما قد بيَّنا، وإن كانت القراءةُ بالياءِ غيرَ خطأً، ولكنه ليس بالأفصَحِ ولا الأشهرِ من كلامِ العربِ (١).

وأمَّا تأويلُ الآيةِ الذي (٢) هو تأويلُها على ما اخترنا من القراءةِ في ذلك: ولا تَحْسَبنَّ يا محمدُ بخلَ الذين يبخَلون بما أعطاهم اللَّهُ من فضلِه في الدنيا من الأموالِ، فلا يُخرِجون منه حقَّ اللَّهِ الذي فرَضه عليهم فيه من الزكواتِ، هو خيرًا لهم عندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ، بل هو شرٌّ لهم عندَه في الآخرةِ.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ (٣)، قال: ثنا أحمدُ بنُ المفضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ: (ولَا تَحْسَبنَّ الَّذينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ): [أما الذين يبخلون بما] (٤) آتاهم اللَّهُ من فضلِه، فبخِلوا أن يُنفقوها في سبيلِ اللَّهِ، ولم يُؤدُّوا زكاتَها (٥).


(١) الوجه في القراءة أنها سنة متبعة، فلا وجه لتفضيل قراءة على أخرى، ولم يكن القراء يراعون لا فُشُوَّ استعمال ولا اطراد قياس. وينظر تعليقنا المتقدم ٢/ ٢١٣، ٢١٤.
(٢) في ص، ت ١: "التي".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "الحسن".
(٤) في م، ت ١، ت ٢، س: "هم الذين". والمثبت موافق لما في مصدر التخريج.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٨٢٦ (٤٥٧٧) من طريق أحمد بن المفضل به.