للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرأ ذلك آخرون: (لَيُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ). بالياء جميعًا (١)، على وجهِ الخبرِ عن الغائبِ؛ لأنهم في وقتِ إخبارِ اللهِ جَلّ وعزَّ نبيَّه بذلك عنهم كانوا غيرَ موجودين، فصار الخبرُ عنهم كالخبرِ كالخبرِ عن الغائبِ.

والقولُ في ذلك عندنا أنهما قراءتان صحيحةٌ وجوهُهما، مستفيضتان في قرأة الإسلامِ، غيرُ مختلِفَتى المعانى، فبأيتِهما قرأ القارئُ فقد أصاب الحقَّ والصوابَ في ذلك، غيرَ أن الأمرَ في ذلك وإن كان كذلك، فإن أحبَّ القراءتين إليَّ أن أقرأ بها (٢): (لَيُبَيِّنُنَّهُ للنَّاس وَلا يَكْتُمُونَهُ). بالياء جميعًا، استدلالًا بقوله: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾. - أنه إذ كان قد خرَج مَخْرَجَ الخبر عن الغائب على سبيلِ قوله: ﴿فَنَبَذُوهُ﴾. - حتى يكون الكلامُ متَّسقًا كله على معنًى واحدٍ ومثالٍ واحدٍ، ولو كان الأولُ بمعنى الخطاب، لكان أن يقالَ: فنبذتموه وراءَ ظهورِكم. أَوْلى من أن يقالَ: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾.

وأما قولُه: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾. فإنه مثلٌ لتضييعهم القيام بالميثاق، وتركِهم العمل به.

وقد بيَّنَّا المعنى الذي من أجلِه قيل ذلك كذلك فيما مضَى من كتابنا هذا (٣)، فكرهنا إعادتَه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.


(١) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وعاصم في رواية أبى بكر. المصدر السابق.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بهما".
(٣) ينظر ما تقدم في ٢/ ٣١١.