للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليك السلامَ ويقولُ: إن هذه الآيةَ لم تنزل فيكم: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾. قال: أخبروه أنها نزلت وهو يهوديٌّ (١).

وأَوْلَى هذه الأقوال بالصوابِ في تأويلِ قوله: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ الآية. قولُ من قال: عُنِى بذلك أهلُ الكتاب الذين أَخْبَر الله جلَّ وعزَّ أنه أخذ ميثاقَهم، ليُبيِّنُنَّ للناسِ أمرَ محمدٍ ، ولا يكتُمونه؛ لأن قوله: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا﴾ الآية. في سياق الخبرِ عنهم، وهو شبيهٌ بقصتِهم، مع اتفاقِ أهلِ التأويل على أنهم المعنيُّون بذلك.

فإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الآيةِ: لا تحسَبَنَّ يا محمدُ الذين يفرَحون بما أَتَوا من كتمانِهم الناسَ أمرَك، وأنك لى رسولٌ مرسَلٌ بالحقِّ، وهم يجدونَك مكتوبًا عندَهم في كتُبِهم، وقد أخَذتُ عليهم الميثاقَ بالإقرار بنبوَّتِك وبيانِ أمرِك للناسِ، وألَّا يكتُموهم ذلك، وهم مع نقضهم ميثاقى الذي أخَذْتُ عليهم بذلك، يفرَحون بمعصيتِهم إياى في ذلك، ومخالفتهم أمرى، ويحبُّون أن يحمَدَهم الناسُ بأنهم أهلُ طاعةٍ لله وعبادةٍ وصلاةٍ وصومٍ، واتِّباعٍ لوحيِه وتنزيلِه الذي أنزله على أنبيائِه، وهم من ذلك أبرياءُ أَخْلِياءُ؛ لتكذيبهم رسولَه، ونقضِهم ميثاقَه الذي أخَذ عليهم، لم يفعلوا شيئًا مما يحبُّون أن يحمَدَهم الناسُ عليه، ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

[ويعنى بقوله] (٢): ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾: فلا تظُنُّنَّهم بمنجاةٍ من عذابِ الله الذي أعدَّه لأعدائِه في الدنيا، من الخَسفِ والمَسْخِ والرَّجْفِ


(١) تفسير سفيان ص ٨٣ بنحوه. وينظر ما تقدم في ص ٢٩٦.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "وقوله".