للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السماواتِ والأرضِ لمعاشِكم وأقواتِكم وأرزاقِكم، وفيما عقَّبْتُ بينَه من الليل والنهارِ، فجعَلتُهما يختلِفان ويعتقبان عليكم، تتصرَّفون في هذا المعاشكم، وتسكُنون في هذا راحةً لأبدنِكم (١) - معتبرٌ ومدَّكرٌ، وآياتٌ وعظاتٌ، لمن كان منكم ذا لُبٍّ وعقل يعلَمُ به أن من نسبنى إلى أنى فقيرٌ وهو غنيٌّ، كاذبٌ مفترٍ، فإن ذلك كلَّه بيدى، أقلِّبُه وأصرِّفُه، ولو أبطَلْتُ ذلك لهلَكتم، فكيف يُنْسَبُ إلى فقرٍ من كان كلُّ ما به عيشُ ما في السماواتِ والأرض بيده وإليه؟ أم كيف يكون غنيًّا من كان رزقُه بيدِ غيره؟ إذا شاء رزَقه، وإذا شاء حرَمه، فاعتبروا يا أولى الألباب.

القولُ في تأويل قوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.

وقولُه: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا﴾. من نعتِ "أُولى الألباب"، و ﴿الَّذِينَ﴾ في موضع خفضٍ ردًّا على قوله: ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

ومعنى الآية: إن في خلق السماواتِ والأرض، واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب، الذاكرين الله قيامًا وقعودًا، وعلى جنوبهم. يعنى بذلك: قيامًا في صلاتهم، وقعودًا في تشهُدهم، وفى غيرِ صلاتِهم، وعلى جنوبِهم نيامًا.

كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ قوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا﴾ الآية. قال: هو ذكرُ الله في الصلاة وفى غير الصلاة، وقراءة القرآن (٢).

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾: وهذه حالاتُك كلُّها يابنَ آدمَ،


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "لأجسادكم".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١١٠ إلى المصنف وابن المنذر.