للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنس فقال: ﴿إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ الآية (١).

وقيل: ﴿إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾. يعنى: ينادى إلى الإيمان. كما قال تعالى ذكرُه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [الأعراف: ٤٣]. بمعنى: هدانا إلى هذا. وكما قال الراجزُ (٢):

أَوْحَى لها القرارَ فَاسْتَقَرَّتِ

وشدَّها بالراسيات الثُّبَّتِ

بمعنى: أَوْحَى إليها. ومنه قولُه: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥].

وقيل: يحتملُ أن يكونَ معناه: إننا سمعنا مناديًا للإيمانِ ينادى: أن آمِنُوا بربِّكم. فتأويلُ الآية إذن: ربَّنا إننا سمعنا داعيًا يدعو إلى الإيمان. يقولُ: إلى التصديقِ بك، والإقرار بوحدانيتك، واتِّباع رسولك وطاعتِه، فيما أمَرنا به، ونهانا عنه، مما جاء به من عندك، ﴿فَآمَنَّا رَبَّنَا﴾. يقولُ: فصدَّقنا بذلك يا ربَّنا، ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾. يقولُ: فاسْتُر علينا خطايانا، ولا تفضحنا بها في القيامة على رءوس الأشهادِ، بعقوبتِك إيانا عليها، ولكن كفِّرها عنا، وسيئات أعمالنِا، فامْحُها بفضلك ورحمتك إيانا، ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾. يعنى بذلك: واقبضنا إليك - إذا قبَضتنا إليك - في عِدادِ الأبرار، واحْشُرْنا مَحْشَرَهم ومعهم.

والأبرارُ جمعُ بَرٍّ، وهم الذين برُّوا الله بطاعتهم إياه، وخدمتهم له، حتى أرضَوْه فَرضى عنهم.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٨٤٣ (٤٦٦٣) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١١١ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) تقدم في ٥/ ٤٠١، ٤٠٢.