للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمانُ التصديقُ (١).

ومعنى الإيمانِ عندَ العربِ التصديقُ، فيُدْعَى المُصَدِّقُ بالشيءِ قولًا مؤمنًا به، ويُدْعَى المُصَدِّقُ قولَه بفعلِه مؤمنًا، ومِن ذلك قولُ اللَّهِ جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ [يوسف: ١٧]. يعني: وما أنت بمُصَدِّقٍ لنا في قولِنا. وقد تَدْخُلُ الخشيةُ للَّهِ في معنى الإيمانِ الذي هو تَصديقُ القولِ بالعملِ.

والإيمانُ كلمةٌ جامعةٌ للإقرارِ باللَّهِ وكتبِه ورسلِه، وتصديقِ الإقرارِ بالفعلِ. فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويلِ الآيةِ وأشبهُ بصفةِ القومِ أن يَكُونوا موصُوفِين بالتصديقِ بالغيبِ قولًا واعتقادًا وعملًا؛ إذ كان جلَّ ثناؤُه لم يَحْصُرْهم مِن معنى الإيمانِ على معنًى دونَ معنًى، بل أجْمَل وصفَهم به، مِن غيرِ خُصوصِ شيءٍ مِن مَعانِيه أخْرَجَه من صفتِهم بخبرٍ ولا عقلٍ.

القولُ في تأويلِ قولِ اللَّهِ جلَّ ثناؤُه: ﴿بِالْغَيْبِ﴾.

حدَّثنا محمدُ بنُ حُميدٍ الرازيُّ، قال: حدَّثنا سَلَمةُ بنُ الفضلِ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿بِالْغَيْبِ﴾. قال: بما جاء منه. يعني مِن اللَّهِ جلَّ ثناؤُه.

حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: حدَّثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: حدَّثنا أسْباطُ، عن السُّدِّيِّ في خبرٍ ذكَره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابنِ عباسٍ، وعن مُرَّةَ الهَمْدانيِّ، عن ابنِ مسعودٍ، وعن ناسٍ مِن أصحابِ النبيِّ ﴿بِالْغَيْبِ﴾: أما "الغيبُ"، فما غاب عن العبادِ مِن أمرِ الجنَّةِ وأمرِ النارِ، وما


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٢٥ إلى المصنف مطولا.