للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن أولِ هذه السورةِ فيهم، وفي نعتِهم وصفتِهم التي وصَفهم بها مِن إيمانِهم بالغيبِ وسائرِ المعاني التي حوَتْها الآيتان مِن صفاتِهم غيرَه؛ فقال بعضُهم: هم مؤمنو العربِ خاصةً، دونَ غيرِهم مِن مؤمني أهلِ الكتابينِ (١).

واستَدَلُّوا على صحةِ (٢) قولِهم ذلك وحقيقةِ تأويلِهم بالآيةِ التي تَتْلُو هاتين الآيتين، وهو قولُ اللَّهِ ﷿: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾. قالوا: فلم يَكُنْ للعربِ كتابٌ قبلَ الكتابِ الذي أنْزَله اللَّهُ ﷿ على محمدٍ ، تَدِينُ بتصديقِه والإقرارِ والعملِ به، وإنما كان الكتابُ لأهلِ الكتابَيْن غيرِها. قالوا: فلما قصَّ اللَّهُ جلَّ ثناؤه نبأَ الذين يُؤْمِنون بما أُنْزِل إلى محمدٍ وما أُنْزِل مِن قبلِه، بعدَ اقْتِصاصِه نبأَ المؤمنين بالغيبِ - علِمْنا أن كلَّ صِنْفٍ منهم غيرُ الصنفِ الآخَرِ، وأن المؤْمنين بالغيبِ نوعٌ غيرُ النوعِ المُصَدِّقِ بالكتابَيْن اللذَّيْن أحدُهما مُنَزَّلٌ على محمدٍ ، والآخرُ منهما على مَن قَبلَه [مِن رسلِ] (٣) اللَّهِ ﷿.

قالوا: وإذ كان ذلك كذلك، صحّ ما قلْنا مِن أن تأويلَ قولِ اللَّهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾. إنما هو (٤): الذين يُؤْمِنون بما غاب عنهم من الجنةِ والنارِ، والثوابِ والعقابِ، والبعثِ، والتصديقِ باللَّهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه، وجميعِ ما كانت العربُ لا تَدِينُ به في جاهليَّتِها، مما (٥) أوْجَب اللَّهُ جلَّ ثناؤُه على


(١) في ص، م: "الكتاب".
(٢) في ر: "حقيقة".
(٣) في ص: "رسول"، وفي ت ٢: "من رسول".
(٤) في ص، ت ٢: "هم".
(٥) في م: "بما".