للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتركيبًا وشعرًا، متجنبًا التأويل بالرأي؛ إذ التأويل بالرأي المجرد عن الدليل لا يعدو أن يكون صدى لهوى صاحبه.

وقد أبان الطبري عن منهجه في ترك القول في القرآن بالرأي حين ساق في مقدمة تفسيره بعضًا من الأخبار التي رويت في النهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي، حيث أورد فيها ما أُثر عن النبي من الوعيد لمن قال في القرآن برأيه، وما روى عن أبي بكر الصديق من شدة حذره وخوفه من أن يقع في القول في القرآن برأيه. ثم قال: "وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا؛ من أن ما كان من تأويل القرآن الذي لا يُدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله ، أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه، وإن أصاب عين الحق فيه، فمخطئ في فعله بقيله فيه برأيه، ولأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما إصابة خارص وظان، والقائل في دين الله بالظن قائل على الله ما لا يعلم، وقد حرَّم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (١). فالقائل في تأويل كتاب الله الذي لا يُدرك علمه إلا ببيان رسول الله الذي جعل الله إليه بيانه، قائلٌ ما لا يعلم، وإن وافق قيلُه ذلك في تأويله ما أراد الله به من معناه؛ لأن القائل فيه بغير علم قائل على الله ما لا علم له به" (٢).

كما بيَّن الطبري ما يعنيه بالرأي؛ إذ إن قومًا غلِطوا في تأويل الأخبار الواردة في النهي عن القول في القرآن بالرأي، حتى أنكروا القول في تأويل القرآن مطلقًا، فرد عليهم أبو جعفر الطبري، وساق بعض الأخبار التي رُويت في الحض على العلم


(١) سورة الأعراف: الآية ٣٣.
(٢) مقدمة المصنف ١/ ٧١ - ٧٣ من النص المحقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>