للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الخلقِ، كما سُمِّيَت الدنيا دنيا (١)؛ لدُنُوِّها مِن الخلقِ.

وأما الذي وصَف اللَّهُ جلَّ ثناؤُه به المؤمنين بما أنْزَل إلى (٢) نبيِّه محمدٍ ، وما أنْزَل إلى مَن قبلَه مِن المُرْسَلِين - مِن إيقانِهم به مِن أمرِ الآخِرةِ - فهو إيقانُهم بما كان المُشْرِكون به جاحِدِين، مِن البَعْثِ والنشرِ، والثوابِ والعقابِ، والحسابِ والميزانِ، وغيرِ ذلك مما أعَدَّ اللَّهُ لخلقِه يومَ القيامةِ.

كما حدَّثنا به محمدُ بنُ حُميدٍ، قال: حدَّثنا سَلَمةُ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾. أي: بالبَعْثِ والقِيامةِ، والجنةِ والنارِ، والحسابِ والميزانِ، أي لا هؤلاء الذين يَزْعُمون أنهم آمنوا بما كان قبلَك، ويَكْفُرون بما جاءك مِن ربِّك (٣).

وهذا التأويلُ مِن ابنِ عباسٍ قد صرَّح عن أن السورةَ مِن أولِها - وإن كانت الآياتُ التي في أولِها مِن نعتِ المؤمنين - تَعْريضٌ مِن اللَّهِ ﷿ بذمِّ الكفارِ أهلِ الكتابِ، الذين زعَموا أنهم بما جاءَت به رسلُ اللَّهِ ﷿ الذين كانوا قبلَ محمدٍ مُصَدِّقون، وهم بمحمدٍ مُكَذِّبون، ولِمَا جاء به مِن التنزيلِ جاحدون، ويدَّعون، مع جُحودِهم ذلك، أنهم مُهْتَدون، وأنه لن يَدْخُلَ الجنةَ إلا مَن كان هُودًا أو نَصارَي، فأكْذَبَ اللَّهُ جلَّ ثناؤُه ذلك مِن قِيلِهم بقولِه: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ


(١) في ص: "قريبا".
(٢) في ر: "على".
(٣) سيرة ابن هشام ١/ ٥٣٠، ٥٣١، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٣٨ (٨٢) من طريق سلمة به.