قال أبو جعفر: وأَوْلَى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾: قولُ مَن قال: عُنى به البكران غيرُ المحصنين إذا زَنَيا، وكان أحدُهما رجلًا والآخَرُ امرأةً؛ لأنه لو كان مقصودًا بذلك قصد البيان عن حكم الزناة من الرجال، كما كان مقصودًا بقوله: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾. قصد البيان عن حكم الزواني، لقيل: والذين يأتونها منكم فآذوهم. أو قيل: والذي يأتيها منكم. كما قيل في التي قبلها: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾. فَأَخْرَج ذكرهنَّ على الجميعِ، ولم يَقُلْ: واللتان يأتيان الفاحشة.
وكذلك تَفْعَلُ العربُ إذا أرادت البيانَ على الوعيد على فعلٍ، أو الوعد عليه، أَخْرَجَت أسماء أهله بذكر الجميع أو الواحد، وذلك أن الواحد يَدُلُّ على جنسه، ولا تُخْرِجُها بذكر اثنين، فتقولُ: الذين يفعلون كذا فلهم كذا، والذي يفعل كذا فله كذا. ولا تقولُ: اللذان يفعلان كذا فلهما كذا، إلا أن يكون فعلًا لا يكون إلا من شخصين مختلفين، كالزنى لا يكونُ إلا من زانٍ وزانيةٍ. فإذا كان ذلك كذلك قيل بذكر الاثنين، يُرادُ بذلك الفاعل والمفعولُ به. فأَمَّا أَن يُذْكَرَ بذكرِ الاثنين، والمراد بذلك شخصان في فعل قد يَنْفَرِدُ كلُّ واحد منهما به، أو في فعلٍ لا يكونان فيه مشتركين، فذلك ما لا يُعْرَفُ في كلامها.
وإذا كان ذلك كذلك، فبَيِّنٌ فسادُ قولِ مَن قال: عُنى بقوله: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾. الرجلان، وصحة قول من قال: عُنى به الرجل والمرأةُ. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنهما غيرُ اللواتي تقدَّم بيانُ حُكْمِهن في قوله: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾؛ لأن هذين اثنان، وأولئك جماعةٌ.
وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن الحبس كان للثَّيِّباتِ عقوبةً حتى يُتَوَفَّينَ من قبل أن يَجعَلَ اللهُ لهنَّ سبيلًا؛ لأنه أغلَظُ في العقوبة من الأذى الذي هو تعنيفٌ