للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأويله - أن يكون معناه: ولا تَنْكِحوا من النساء نكاحَ آبائِكم، إلا ما قد سلَف منكم فمضَى في الجاهليةِ، فإنه كان فاحشةً ومقتًا وساء سبيلًا. فيكونُ قولُه: ﴿مِنَ النِّسَاءِ﴾. من صلة قوله: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا﴾. ويكونُ قولُه: ﴿مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾. بمعنَى المصدر، ويكونُ قولُه: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾. بمعنى الاستثناء المنقطع؛ لأنه يحسُنُ في موضعِه: لكن ما قد سلَف فمضَى، إنه كان فاحشةً ومقتًا وساء سبيلًا.

فإن قال قائلٌ: وكيف يكونُ هذا القولُ موافقًا قولَ مَن ذَكَرتَ قولَه مِن أهل التأويل، وقد علِمتَ أن الذين ذكرت قولَهم في ذلك إنما قالوا: أُنْزِلت هذه الآيةُ في النهي عن نكاحِ حلائلِ الآباءِ، وأنت تذكُرُ أنهم إنما نُهوا أن يَنْكِحوا نكاحَهم.

قيل له: إنما (١) قلنا: إن ذلك هو التأويلُ الموافقُ لظاهر التنزيل؛ إذ كانت "ما" في كلام العرب لغيرِ بنى آدم، وأنه لو كان المقصود بذلك النهيُ عن حلائل الآباء، دونَ سائر ما كان من مناكِحِ آبائهم حرامًا ابْتداءُ مثله في الإسلام، بنهي الله جلَّ ثناؤُه عنه، لقيل: ولا تَنْكِحوا مَن نكَح آباؤُكم من النساء إلا ما قد سلف. لأن ذلك هو المعروفُ في كلام العرب؛ إذ كان "من" لبنى آدم، و "ما" لغيرهم، ولم (٢) يُقَل: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾. [وأما قولُه] (٣): فإنه يدخُلُ في "ما" ما كان من مناكح آبائهم التي كانوا يَتَناكَحونها في جاهليتِهم، فحرَّم عليهم في الإسلام بهذه الآية نكاحَ حلائلِ الآباء، وكلَّ نكاحٍ


(١) في النسخ: "إن". والمثبت ما يقتضيه السياق.
(٢) في النسخ: "لا". والمثبت ما يقتضيه السياق.
(٣) زيادة يقتضيها السياق، وينظر تعليق الشيخ شاكر على هذا الموضع من التفسير.