للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحْصَنوهنَّ. وأما سائرُ ما في القرآنِ، فإنهم تَأَوَّلوا في كسرِهم الصادَ منه إلى أن النساءَ هنَّ أَحصَنَّ أَنفُسَهن بالعفةِ.

وقرَأَت عامةُ قَرَأَةِ المدينةِ والعراقِ ذلك كلَّه بالفتحِ (١)، بمعنى أن بعضَهن أحصنَهنَّ أزواجُهن، وبعضَهن أحصَنَهنَّ حُرِّيَّتُهن أو إسلامُهن.

وقرَأ بعضُ المُتقدِّمِين كلَّ ذلك بالكسرِ، بمعنى أنهن عَفَفْنَ وأَحصَنَّ أَنفسَهنَّ.

وذُكِرَت هذه القراءةُ - أعنى بكسرِ الجميعِ - عن عَلْقمةَ، على اختلافٍ (٢) في الروايةِ عنه (٣).

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ عندَنا من القولِ في ذلك أنهما قراءتان مُسْتَفِيضَتان في قرأةِ الأمصارِ مع اتفاقِ ذلك في المعنى، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ الصوابَ، إلا في الحرفِ الأولِ مِن سورةِ "النساءِ"، وهو قولُه: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾. فإني لا أستَجِيزُ الكسرَ في صادِه؛ لاتِّفَاقِ قَرَأَةِ الأمصارِ على فتحِها، ولو كانت القراءةُ بكسرِها مُسْتفيضةً استفاضَتَها بفتحِها، كان صوابًا القراءةُ بها كذلك، لِما ذكَرْنا من تَصَرُّفِ الإحصانِ في المعاني التي بَيَّنَّاها، فيكونُ معني ذلك لو كُسِر: والعَفائفُ من النساءِ حرامٌ عليكم، إلا ما ملكَت أيمانُكم. بمعنى أنهنَّ أَحْصَنَّ أنفسَهنَّ بالعِفَّةِ.

وأما الفتياتُ، فإنهن جمعُ فتاةٍ، وهنَّ الشَّوَابُّ من النساءِ، ثم يقالُ لكلِّ مملوكةٍ ذاتِ سِنٍّ أو شَابَّةٍ: فتاةٌ. والعبدُ: فَتًى.

ثم اخْتَلف أهلُ العلمِ في نكاحِ الفَتَياتِ غيرِ المؤمناتِ، وهل عنَى اللهُ بقولِه:


(١) وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة. المصدر السابق.
(٢) في م: "الاختلاف".
(٣) ذكر أبو حيان في البحر المحيط (٣/ ٢١٤) أن قراءة علقمة بفتح الصاد.