يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾. دَلالةً على أن قولَه: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾. معناه تَزَوَّجْن، إذ كان ذكرُ ذلك بعدَ وَصْفِهنَّ بالإيمانِ بقولِه: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾، وحَسِبَ أن ذلك لا يَحْتَمِلُ معنًى غيرَ معنى التَّزْويجِ، مع ما تَقدَّم ذلك مِن وَصْفِهِنَّ بالإيمانِ - فقد ظَنَّ خطأً؛ وذلك أنه غيرُ مستحيلٍ في الكلامِ أن يكونَ معنى ذلك: ومَن لم يَسْتطِعْ منكم طَوْلًا أن يَنْكِحَ المُحصَناتِ المؤمناتِ فمما مَلَكَت أيمانُكم من فُتياتِكم المؤمِناتِ، فإِذا هُنَّ آمَنَّ، فإن أتَينَ بفاحشةٍ، فعليهنَّ نصفُ ما على المُحْصناتِ مِن العذابِ. فيكونُ الخبرُ مُبْتَدَأَ (١) عما يَجِبُ عليهنَّ من الحَدِّ إذا أَتَيَن بفاحشةٍ بعدَ إيمانِهنَّ، بعدَ البَيانِ عما لا يجوزُ لناكِحِهنَّ من المؤمنين من نِكَاحِهنَّ، وعمَّن يجوزُ نِكاحُه له مِنهنَّ.
فإذْ كان ذلك غيرَ مُسْتحيلٍ في الكلامِ، فغيرُ جائزٍ لأحدٍ صَرْفُ معناه إلى أنه التَّزْويجُ دونَ الإسلامِ؛ من أجلِ ما تَقدَّم مِن وَصْفِ اللهِ إياهنَّ بالإيمانِ.
غيرَ أن الذي نختارُ لمن قرَأ: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾ بِفَتْحِ الصادِ في هذا الموضعِ، أن يقرَأ: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾. بضَمِّ الأَلِفِ. ولَمَن قرأ:(مُحْصِناتٍ) بكسرِ الصادِ فيه، أن يَقْرَأَ:(فإذا أَحْصَنَّ) بفتحِ الألِفِ؛ لتَأْتَلِفَ قراءةُ القارئَ على معنًى واحدٍ وسياقٍ واحدٍ؛ لقُرْبِ قولِه:(مُحصِناتٍ). من قولِه:(فإذا أَحْصَنَّ). ولو خالَف مِن ذلك لم يكنْ لَحْنًا، غيرَ أن وَجْهَ القراءةِ ما وصَفتُ.
وقد اختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك نظيرَ اختلافِ القَرَأةِ في قراءتِه؛ فقال بعضُهم: معنى قولِه: (فَإِذَا أَحْصَنَّ): فإِذا أَسْلَمْنَ.