للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: إنما نزَلَت هذه الآيةُ فى الذين كانوا يَتَبَنَّون رجالًا غيرَ أبنائِهم ويُوَرِّثونهم، فأنزَل اللهُ فيهم، فجعَل لهم نَصيبًا فى الوصيةِ، ورَدَّ الميراثَ إلى الموالى فى ذِى (١) الرحمِ والعَصَبةِ، وأبَى اللهُ للمُدَّعَيْن ميراثًا ممن ادَّعاهم وتَبَنَّاهم، ولكنَّ اللهَ جعَل لهم نَصيبًا في الوصيةِ (٢).

قال أبو جعفرٍ: وأَولى الأقوالِ بالصوابِ في تأويلِ قولِه: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾. قولُ مَن قال: والذين عَقَدَت أيمانُكم على المُخَالفةِ، وهم الحلفاءُ. وذلك أنه معلومٌ عندَ جميعِ أهلِ العلِم بأيامِ العربِ وأخبارِها، أَن عَقْدَ الحِلْفِ بينَها كان يكونُ بالأيمانِ والعهودِ والموَاثيقِ، على نحوِ ما قد ذكَرنا من الروايةِ في ذلك. فإذ كان اللهُ جلّ ثناؤُه إنما وَصَف الذين عَقَدَت أيمانُهم مَا عَقَدوه بها بينَهم، دونَ مَن لم يَعْقِدْ عقدَ ما بينهم أيمانُهم، وكانت مُؤاخاةُ النبيِّ بينَ مَن آخَى بينَه وبينَه من المُهاجِرِين والأنصارِ، [لم تكنْ] (٣) بينَهم بأيمانِهم، وكذلك التَّبَنِّى - كان معلومًا أن الصوابَ من القولِ فى ذلك قولُ مَن قال: هو الحِلْفُ. دونَ غيرِه؛ لِما وَصفنا من العِلَّةِ.

وأمَّا قولُه: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾. فإن أَولى التأويلَين به ما عليه الجميعُ مُجْمِعون من حكمِه الثابتِ، وذلك إيتاءُ أهلِ الحِلْفِ الذي كان في الجاهليةِ دونَ الإسلامِ، بعضِهم بعضًا أنصباءَهم؛ من النُّصْرَةِ والنصيحةِ والرأيِ، دونَ الميراثِ؛ وذلك لصحةِ الخبرِ عن رسولِ اللهِ أنه قال: "لا حِلْفَ في الإسلامِ، وما كان من حِلْفٍ في الجاهليةِ، فلم يَزِدْه الإسلامُ إِلا شِدَّةً".


(١) في م: "ذوى".
(٢) أخرجه النحاس في ناسخه ص ٣٣٢، والبيهقى ٦/ ٢٦٣ من طريق الزهرى به.
(٣) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.