للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَخْدَعْ إلا نفسَه. فتُثْبِتُ منه خِداعَه (١) ربَّه والمؤمنين، وتَنْفِي (٢) أن يكونَ خدَع غيرَ نفسِه؛ لأن الخادِعَ هو الذي قد صحَّت له الخديعةُ ووقَع منه فعلُها، والمنافقون لم يَخْدَعوا غيرَ أنفسِهم؛ لأن ما كان لهم من أهلٍ ومالٍ، فلم يكنِ المسلمون ملَكوه عليهم في حالِ خِداعِهم إيَّاهم (٣) عنه بنفاقِهم ولا قبلَها، فيَسْتَنْقِذوه (٤) بخِداعِهم منهم، وإنما دافعوا عنه بكَذِبِهم وإظهارِهم بألسنتِهم غيرَ الذي في ضمائرِهم، وبحُكْمِ (٥) اللَّهِ لهم في أموالِهم وأنفسِهم وذراريِّهم في ظاهرِ أمورِهم بحكمِ ما انْتَسَبوا إليه مِن الملَّةِ، واللهُ بما يُخْفُون مِن أمورِهم عالمٌ، وإنما الخادعُ مَن ختَل (٦) غيرَه عن شيئِه والمخدوعُ غيرُ عالِمٍ بموضعِ خديعةِ خادعِه. فأما والمخادَعُ عارفٌ بخِداعِ صاحبِه إيَّاه، و (٧) غيرُ لاحقِه مِن خِداعِه إيَّاه مكروهٌ، بل إنما يَتجافى للظانِّ به أنه له مخادِعٌ؛ اسْتِدْراجًا ليَبْلُغَ غايةً يتكامَلُ له عليه الحُجَّةُ للعقوبةِ التي هو به (٨) مُوقِعٌ عندَ بلوغِه إيَّاها، والمُستدرَجُ غيرُ عالمٍ بحالِ نفسِه عندَ مُسْتدرِجِه، ولا عارفٍ باطِّلاعِه على ضميرِه، وأنَّ إمهالَ مُستدرجِه [إياه، وتركَه معاجلةَ عقوبتِه] (٩) على جُرْمِه؛ لِيَبْلُغَ المخاتِلُ المخادِعُ مِن استحقاقِه عقوبةَ مُستدرِجِه - بكثرةِ إساءتِه، [وطولِ عِصيانِه إيّاه، وكثرةِ صَفْحِ المستدرِجِ] (١٠)، وطولِ عفوِه عنه - أقصَى غايةٍ، فإنما هو خادِعٌ نفسَه لا شكَّ، دونَ مَن حدَّثَته نفسُه أنه له مخادِعٌ،


(١) في م: "مخادعة"
(٢) بعده في م: "عنه".
(٣) في م: "إياه".
(٤) في ص: "فيستبعدوه".
(٥) في م: "يحكم". وغير منقوطة في ر، ت ٢.
(٦) ختل: خدع عن غفلة. اللسان (خ ت ل).
(٧) سقط من: ص.
(٨) في م: "بها".
(٩) في م: "وتركه إياه معاقبته".
(١٠) سقط من: ص.