للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَرجِعَ، ولم يَحْلَ (١) مِن حاجتهِ بشيءٍ، وقد أسْخَط الله عليه، ثم قرَأ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾. الآية (٢).

قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوالِ بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى تَزْكية القومِ الذين وَصَفهم اللهُ بأنهم يُزَكُّون أنفسَهم: وَصْفُهم إياها بأنها لا ذنوبَ لها ولا خَطايا، وأنهم لله جلَّ ثناؤُه أبناءٌ وأحباءُ، كما أخبرَ اللهُ جلَّ ثناؤُه عنهم أنهم كانوا يقولونه؛ لأن ذلك هو أظهرُ مَعانيه، لإخبارِ اللهِ عنهم أنهم (٣) إنما كانوا يُزَكُّون أنفسَهم دونَ غيرِها.

وأما الذين قالوا: معنى ذلك، تَقْديمُهم أطفالهَم للصلاةِ، فتأويلٌ لا تُدْرَكُ صحتُه إلا بخبرٍ حُجَّةٍ يُوجِبُ العلم.

وأما قولُه جلَّ ثناؤُه: ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾. فإنه تكذيبٌ مِن الله ﷿ المُزَكِّين أنفسَهم مِن اليهودِ والنصارى، المُبَرِّئيها مِن الذنوبِ. يقولُ اللهُ لهم: ما الأمرُ كما زعَمتم؛ أنه لا ذنوب لكم ولا خَطايا، وأنكم بُرَآءُ مما يَكْرَهُه اللهُ، ولكنكم أهلُ فِرْيةٍ وكذبٍ على اللهِ، وليس المُزكَّى مَن زَكَّى نفسَه، ولكنه الذي يُزَكِّيه الله، واللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ مِن خلقِه، [فيطهِّرُه ويبرِّئُه] (٤) مِن الذنوبِ؛ بتَوفيقه لاجْتِنابِ ما يَكْرَهُه مِن مَعاصيه إلى ما يَرْضاه مِن طاعِته.


(١) حَلى منه بخير وحلا: أصاب منه خيرًا. قال ابن بري: وقولهم: لم يحل بطائل، أي لم يظفر ولم يستفد منها كبير فائدة، ولا يُتكلَّم به إلا مع الجحد. اللسان (ح ل و).
(٢) سقط من الأصل.
والأثر أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (٨٢٤)، والخلال في السنة (١٤٨٧، ١٥٤٩، ١٥٥٠)، والحاكم ٤/ ٤٣٧ من طريق قيس به.
(٣) في م: "أنها".
(٤) في الأصل: "بتطهيره وتبرئته".