للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾. أي قالوا: إنما نريدُ الإصلاحَ بينَ الفريقين من المؤمنين وأهلِ الكتابِ (١).

وخالَفه في ذلك غيرُه، فَحدَّثنا القاسمُ بنُ الحسنِ، قال: حدَّثنا الحسينُ بنُ داودَ، قال: حدَّثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾. قال: إذا ركِبوا معصيةَ اللَّهِ فقِيل لهم: لا تفعَلوا كذا وكذا. قالوا: إنما نحن على الهُدَى (٢).

قال أبو جعفرٍ: وأيُّ الأمرين كان منهم في ذلك، أعني في دَعْواهم أنهم مصلحون، فهم لا شكَّ أنهم كانوا يَحْسَبون أنهم فيما أتَوْا من ذلك مصلحون - فسواءٌ بينَ اليهودِ والمسلمين كانت دَعْواهم الإصلاحَ، أو في أديانِهم، وفيما ركبوا من معصيةِ اللَّهِ، وكذِبهم المؤمنين فيما أظْهروا لهم من القولِ، وهم لغيرِ ما أظْهروا مُسْتبطِنون؛ لأنَّهم كانوا في جميعِ ذلك من أمرِهم عندَ أنفسِهم مُحْسِنين، وهم عندَ اللَّهِ مُسيئون، ولأمرِ اللَّهِ مُخالِفون، لأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُه قد كان فرَض عليهم عداوةَ اليهودِ وحربَهم مع المسلمين، وألْزمهم التصديقَ برسولِ اللَّهِ ، وبما جاء به من عندِ اللَّهِ، كالذي ألْزم من ذلك المؤمنين، فكان لقاؤُهم اليهودَ على وجهِ الوِلايةِ منهم لهم، وشكُّهم في نبوَّةِ رسولِ اللَّهِ وفيما جاء به أنه من عندِ اللَّهِ - أعظمَ الفسادِ، وإن كان ذلك كان عندَهم إصلاحًا وهُدًى في أديانِهم، أو فيما بينَ المؤمنين واليهودِ، فقال جلَّ ثناؤُه فيهم: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ﴾


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٣١، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٤٥ (١٢٤) من طريق سلمة به.
(٢) بعده في ص، ت ١، م: "مصلحون".
والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٠ إلى المصنف كاللفظ المثبت. وذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ٧٥ عن ابن جريج عن مجاهد، بزيادة: "مصلحون" في آخره.