للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: وما وجهُ دُخولِ "مِن" في قولِه: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ﴾. و ﴿مِنْ سَيِّئَةٍ﴾؟ قيل: قد اختلَف في ذلك أهلُ العربيةِ؛ فقال بعضُ نحويِّيِ البصرةِ: أُدْخِلَت "مِن"؛ لأن "مِن" تَحْسُنُ مع النفي، مثلَ: ما جاءَني مِن أحدٍ. قال: وجُعِلَ (١) الخبرُ بالفاءِ؛ [لأنَّ ما] (٢) بمنزلةِ "مَن".

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: أُدخلت "مِن" مع "ما"، كما تَدْخُلُ على "إنْ" في الجزاءِ؛ لأنهما حرفا جزاءٍ، وكذلك تَدْخُلُ مع "مَن" إذا كانت جزاءً، فتَقولُ العربُ: ما (٣) يَزُرْك مِن أحدٍ فتُكرِمْه. كما تَقُولُ: إِن يَزُرْكَ مِن أحدٍ فَتُكْرِمُه. قال: وإنما (٤) أدخَلُوها مع "ما" و"مَن"؛ ليُعْلمَ [بدخولِها معهما] (٥) أنهما جزاءٌ، قالوا: وإذا أدخلَتْ معهما لم تُحْذَفْ؛ لأنها إذا حذِفت صار الفعلُ رافعًا شيئين، وذلك أن "ما" في قوله: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ﴾ رُفِع بقولِه ﴿أَصَابَكَ﴾ فلو حَذَفَتَ "مِن" رفَع قولُه: ﴿أَصَابَكَ﴾ السيئةَ؛ لأن معناه: إِن تُصِبْك سيئةٌ، فلم يَجُزْ حَذْفُ "مِن" لذلك؛ لأن الفعلَ الذي هو على فعَل أو يَفعلُ لا يَرْفَعُ شيئين، وجاز ذلك مع "مَن"؛ لأنها تُشَبَّهُ (٦) بالصفاتِ، وهى في موضعِ اسمٍ، فأما "إن"، فإن "مِن" تَدْخُلُ معها وتَخْرُجُ، ولا تدخلُ (٧) مع "أي" لأنها تُعْرَبُ، فيتبيَّن (٨) فيها الإعرابُ،


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "دخول".
(٢) في ص، م: "لازما". وهو تحريف واضح.
(٣) في م: "من".
(٤) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣، وفى ص، س: "إذا".
(٥) في الأصل: "بدخولهما معها".
(٦) في م، ت ٢، ت ٣، س: "تشتبه".
(٧) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "تخرج" وهو خطأ من حيث المعنى.
(٨) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فيبين". وفى س: "يتعين".