للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثَّر في جنبِه، وقلَّبتُ عينيَّ في خزانةِ رسولِ اللهِ فإذا ليس فيها شيءٌ في الدنيا غيرَ قبْضَةٍ من شعيرٍ وقبضةٍ من قُرْطٍ (١)، إنهما نحوُ الصاعَيْن، وإذا أَفِيقٌ (٢) معلَّقٌ أو أفيقان معلقٌ (٣)، فابتدَرتْ عيناى (٤). فقال رسولُ اللهِ : "ما يبكيكَ يا بنَ الخطابِ؟ " فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، وما لى لا أبكى وأنت صفوةُ اللهِ ورسولُه وخيرتُه من خلقِه، وهذه خزانتُكَ، وهذه الأعاجمُ؛ كسرى وقيصرُ في الثمارِ والأنهارِ، وأنت هكذا قال: "يا بن الخطابِ، أمَا ترضى أن تكونَ لنا الآخرةُ، ولهم الدنيا؟ ". قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: "فاحمَد الله". قال: ما تكلَّمتُ بشيءٍ قطُّ إلا أنزل اللهُ تصديقَ قولِه لى من السماءِ. فقلتُ: يا نبيَّ اللهُ، إنْ كُنتَ طلَّقتَهنَّ فإنَّ الله معك وجبريلُ وميكائيلُ وأنا وأبو بكرٍ والمؤمنون. فأنَزل اللهُ: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ﴾ [التحريم: ٤] إلى آخرِ الآيةِ، فما زلتُ أحدَّثُ نبيَّ اللهِ، ، وأنا أعرِفُ الغضبَ في وجهِه حتى جعَل وجهُه يتهلَّلُ، قال: وكَشَر (٥)، فرأيتُ ثغرَه، وكان من أحسنِ الناسِ ثغرًا. قال: أجَلْ، إني لم أطلِّقْهنَّ. فقلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إنهم قد أذاعوا أنك قد طلَّقْتَ نساءَك فأُخبرُهم (٦) أنك لم تُطلِّقْهنَّ؟ فقال: "إنْ شئتَ فعلتَ". فقمتُ على بابِ المسجدِ، فقلتُ: ألا إن] (٧)


(١) في مصادر التخريج "قرظ" بفتحتين وظاء معجمة وعرفه الشراح بأنه ورق السلم الذي يدبغ به، وكذا تعريفه في معاجم اللغة، والقرط: هو الذي تعلفه الدواب، وهو شبيه بالرطبة وهو أجل منها وأعظم ورقًا. اللسان (ق ر ط).
(٢) هو الجلد الذي لم يتم دباغه، وجمعه أُفَق كأديم وأدم. صحيح مسلم بشرح النووى ١٠/ ٨٣.
(٣) كذا في الأصل.
(٤) فابتدرت عيناي: أي سالتا بالدموع. النهاية (ب د ر).
(٥) أي أبدى أسنانه تبسما، ويقال أيضا في الغضب، وقال ابن السكيت: كشر وبسم وابتسم وافترّ، كله بمعنى واحد فإن زاد قيل: قهقه وزهدق وكركر. صحيح مسلم بشرح النووى ١٠/ ٨٤.
(٦) في الأصل: "فأخبرتهم" والمثبت من مصدر التخريج.
(٧) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.