للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَجَاهِدْ يا محمد أعداءَ اللهِ مِن أهلِ الشركِ به ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، يعني: في دينِه الذي شَرَعه لك، وهو الإسلامُ، وقاتِلْهم فيه بنفسِك.

فأما قولُه: ﴿لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾، فإنه يعنى: لا يُكَلِّفُ اللهُ فيما فَرَض عليك مِن جهادِ عدوِّك وعدوِّه، إلا ما حمَّلك مِن ذلك دونَ ما حَمَّل غيرَك منه، أي إنك إنما تُتَّبع (١) بما اكتسبتَه دونَ ما اكتَسَبه غيرُك، وإنما عليك ما كُلِّفتَه دونَ ما كُلِّفه غيرُك.

ثم قال له: ﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، يعني: وحُضَّهم على قتالِ مَن أمرَتُك بقتالِهم معك، ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. يقولُ: لعل الله أن يَكُفَّ قتالَ مَن كفَر باللهِ وجَحَد وَحْدانيتَه وأنكَر رسالتَك، عنك وعنهم، ونِكايتَهم.

وقد بَيَّنَّا فيما مضَى أنَّ "عسى" مِن اللهِ واجبةٌ بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٢).

﴿وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾. يقولُ: واللهُ أَشَدُّ نِكايةً في عدوَّه مِن أهلِ الكفرِ به، به، منهم فيك يا محمدُ وفى أصحابك فلا تَنْكُلَنَّ عن قتالهم، فإنى راصِدُهم بالبأسِ والنِّكايةِ والتَّنْكيلِ والعقوبةِ، لأُوهِنَ كيدَهم، وأُضْعِفَ بأسَهم، وأُعْلِىَ الحقَّ عليهم.

والتَّنْكِيلُ مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: نَكَّلتُ بفلانٍ، فأنا أُنكِّلُ به تَنْكِيلًا. إذا أوجَعْتَه عقوبةً.


(١) في الأصل: "تنتفع".
(٢) لم نهتد فيما مضى إلى تبيين الطبرى أن "عسى" من الله واجبة.