ذكرْنا الروايةَ عنهم. والآخرُ: أنهم قومٌ كانوا مِن أهلِ المدينةِ.
وفى قولِ اللهِ جلَّ ثناؤُه: ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أوْضَحُ الدليلِ على أنهم كانوا مِن غيرِ أهلِ المدينةِ؛ لأن الهجرةَ كانت على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ إلى دارِه ومدينتِه من سائرِ أرضِ الكفرِ، فأمَّا مَن كان بالمدينةِ في دارِ الهجرة مُقيمًا من المنافقين وأهلِ الشركِ، فلم يَكُنْ عليه فرضُ هجرةٍ؛ لأنه في دارِ الهجرةِ كان وطنُه ومُقامُه.
واخْتَلَف أهلُ العربيةِ في نصبِ قولِه: ﴿فِئَتَيْنِ﴾ فقال بعضُهم: هو منصوبٌ على الحالِ، كما تَقولُ:"مالك قائمًا". بمعنى ما لك في حالِ القيامِ، وهذا قولُ بعضِ البصريين.
وقال بعضُ نحويي الكوفيين: هو منصوبٌ على فعلِ "مالك". قال: ولا تُبالِ كان المنصوبُ في "ما لَك" معرفةً أو نكرةً. قال: ويَجوزُ في الكلامِ أن تَقولَ: ما لَك السائرَ معنا. لأنه كالفعلِ الذي يُنْصَبُ بـ "كان" و"أَظُنُّ" وما أَشْبَهَهما. قال: وكلُّ موضعٍ صلَحَت فيه فعَل ويَفْعَلُ مِن المنصوبِ جاز نصْبُ المعرفةِ منه والنكرةِ، كما يَنْصِبُ "كان" و"أَظُنُّ"؛ لأنهن نواقصُ في المعنى، وإن ظنَنْتَ أنهن تامَّاتٌ.
وهذا القولُ أولى بالصوابِ في ذلك؛ لأن المطلوبَ في قول القائلِ: ما لَك قائمًا. القيامُ، فهو في مذهبِ كان وأخواتِها وأَظُنُّ وصَواحباتِها.
وقولُه: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾.
اختلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ﴾ فقال بعضُهم: معناه ردَّهم. كما قلنا.