للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى القولين في ذلك بتأويلِ الآيةِ قولُ من قال: عنَى بذلك المقتولَ مِن أهلِ العهدِ؛ لأن الله أبْهَم ذلك، فقال: ﴿وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾. ولم يَقُلْ: وهو مؤمنٌ. كما قال في القتيل من المؤمنين وأهلِ الحربِ، [إذ عنى المؤمنين] (١): ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾. فكان في تركِه وصفَه بالإيمانِ الذي وصَف به القتيلَيْن الماضيَ ذكرُهما قبلُ، الدليلُ الواضحُ على صحةِ ما قلْنا في ذلك.

فإن ظنّ ظانٌّ أن في قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾. دليلًا على أنه مِن أهل الإيمانِ؛ لأن الديةَ عندَه لا تكونُ إلا لمؤمنٍ، فقد ظنَّ خطأً، وذلك أن ديةَ الذميِّ وأهلِ الإسلامِ سواءٌ؛ لإجماعِ جميعِهم على أن دِيَاتِ عبيدِهم الكفارِ وعبيدِ المؤمنين من أهلِ الإيمانِ سَواءٌ، فكذلك حكمُ دِياتِ أحْرارِهم سواءٌ. مع أن دياتِهم لو كانت على ما قال مَن خالَفَنا في ذلك، فجعَلها على النصفِ مِن دِياتِ أهلِ الإيمانِ، أو على الثلثِ، لم يَكُنْ في ذلك دليل على أن المعنيَّ بقولِه: ﴿وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾. من أهلِ الإيمانِ؛ لأن ديةَ المؤمنةِ (٢) لا خلاف بين الجميع - إلا من لا يُعَدُّ خلافًا - أنها على النصفِ مِن ديةِ المؤمنِ، وذلك غيرُ مُخْرِجها مِن أن تكونَ ديةً (٣)، فكذلك حكمُ دياتِ أهلِ الذمةِ، لو كانت مُقَصِّرةً عن (٤) دياتِ أهلِ الإيمانِ، لم يُخْرِجُها ذلك مِن أن تكونَ دياتٍ، فكيف والأمرُ في ذلك بخلافِه، ودياتُهم ودياتُ المؤمنين سَواءٌ.

وأما الميثاقُ، فإنه العهدُ والذمةُ، وقد بيَّنا في غيرِ هذا الموضعِ أن


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أو عنى المؤمن".
(٢) في الأصل: "المؤمن".
(٣) في ص، س: "ديته".
(٤) في الأصل: "على".