للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و (١) إذا خَلَوا مع شياطينِهم. إذ كانت حروفُ الصفاتِ (٢) يُعاقِبُ بعضُها بعضًا، كما قال اللهُ مُخبرًا عن عيسى ابنِ مريمَ أنه قال للحواريين: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ﴾ [الصف: ١٤]. يريدُ: مع اللهِ. وكما تُوضعُ "على" في موضعِ "مِن" و"في" و"عن"، و"الباء"، كما قال الشاعرُ (٣):

إذا رَضِيَتْ عليَّ بنو قُشيرٍ … لَعَمْرُ اللهِ أعْجَبَني رِضَاها

بمعنى: عَنِّي.

وأما بعضُ نحْويِّي (٤) الكوفةِ، فإنه كان يتأوَّلُ أن ذلك بمعنى: وإذا لَقُوا الذين آمَنوا قالوا آمَنَّا، وإذا صرَفوا خَلاءَهم إلى شياطينِهم. فيزعُمُ أن الجالبَ لـ ﴿إِلَى﴾ المعنى الذي دلَّ عليه الكلامُ من انصرافِ المنافقين عن لقاءِ المؤمنين إلى شياطينهم خالِين بهم، لا قولُه: ﴿خَلَوْا﴾. وعلى هذا التأويلِ لا يَصْلُحُ في (٥) موضعِ ﴿إِلَى﴾ غيرُها؛ لتغيُّرِ الكلامِ بدخولِ غيرِها من الحروفِ مكانَها.

وهذا القولُ عندي أوْلى بالصوابِ؛ لأن لكلِّ حرفٍ من حروفِ المعاني وجهًا هو به أوْلى من غيرِه، فلا يصلُحُ تحويلُ ذلك عنه إلى غيرِه إلا بحجةٍ يجبُ التسليمُ


(١) في ت ٢: "فإذا"، وفي م: "أي".
(٢) حروف الصفات هي حروف الجر، وسميت بذلك لأنها تحدث صفة في الاسم، فقولك: جلست في الدار. دلت "في" على أن الدار وعاء للجلوس، وقيل: لأنها تقع صفات لما قبلها من النكرات. همع الهوامع ٢/ ١٩. وهى أيضًا حروف المعاني، كما سيأتي.
(٣) هو القحيف العجلي، وينظر البيت في النوادر لأبي زيد ص ١٧٦، والكامل ٢/ ١٩٠، ٣/ ٩٨، والخزانة ٢/ ١٣٢.
(٤) بعده في ص، م: "أهل".
(٥) سقط من: ص.