للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذ صَحَّ ذلك، كان (١) بَيِّنًا أن لا وجهَ لتأويلِ مَن تأوَّل ذلك: أن الطائفةَ الأولى إذا سَجَدَت مع الإمامِ، فقد انقَضَتْ (٢) صلاتُها؛ لقولِه: ﴿فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ﴾ لاحتمالِ ذلك مِن المعانى ما ذكرتُ قبلُ، ولأنه لا دلالةَ في الآيةِ على أن القَصْرَ الذي ذُكِر في الآيةِ التي قبلَها، عُنِى به القَصْرُ مِن عددِ الركعاتِ.

وإذ كان لا وجهَ لذلك، فقولُ مَن قال: أُريدَ بذلك [التقدمُ والتأخُّرُ] (٣) في الصلاةِ على نحوِ صلاةِ النبيِّ بعُسْفانَ، أبعدُ؛ وذلك أن الله جلّ ثناؤُه يقولُ: ﴿وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾. وكلتا الطائفتَين قد كانت صَلَّت مع النبيِّ ركعتَه الأُولى في صلاتِه بعُسْفانَ. ومُحالٌ أن تكونَ التي صَلَّت معه هي التي لم تُصَلِّ معه.

فإن ظَنَّ ظَانٌّ أنه أُرِيدَ بقولِه: ﴿لَمْ يُصَلُّوا﴾. لم يَسْجُدُوا؛ فإن ذلك غيرُ الظاهرِ المفهومِ مِن معاني الصلاةِ، [وإنما تُوَجَّهُ معاني كلامِ اللهِ جلّ ثناؤُه إلى الأظْهرِ والأشْهرِ مِن وجوهِها (٤)] (٥)، ما لم يَمنَعْ من ذلك ما يجبُ التسليمُ له.

وإذ كان ذلك كذلك، ولم يكنْ في الآيةِ أمرٌ مِن اللهِ جل ثناؤُه الطائفةَ الأُولى بتَأْخيرِ قَضاءِ ما بَقِى عليها مِن صلاتِها إلى فراغِ الإمامِ مِن بَقِيَّةِ صلاتِه، ولا على المسلمين الذين بإزاءِ العدوِّ في اشتغالِها (٦) بقَضاءِ ذلك ضَرَرٌ، لم يكنْ لأمرِها بتَأْخيرِ ذلك وانصرافِها قبلَ قضاءِ باقي صلاتِها عن مَوْضِعِها معنًى.


(١) سقط من: الأصل.
(٢) في ص، س: "انتقصت".
(٣) في الأصل: "التقديم والتأخير".
(٤) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٥) في م: "وجوههما".
(٦) في الأصل: "استقبالها".