للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ : يعنى بذلك جل ثناؤُه: فإذا فَرَغتم أيُّها المؤمنون من صلاتِكم - وأنتم مُواقِفو عدوِّكم - التي بَيَّنَّاها لكم، فاذكُروا الله على كلِّ أحوالِكم، قيامًا وقعودًا ومُضْطَجِعِين على جُنُوبِكم، بالتعظيمِ له والدعاءِ لأنفسِكم بالظَّفَرِ على عدوِّكم، لعل الله أن يُظْفِرَكم بهم ويَنْصُرَكم عليهم. وذلك نظيرُ قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: ٤٥].

وكما حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليِّ بن أبى طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (١). يقولُ: لا يَفرِضُ اللهُ على عبادِه فريضةً، إلا جعَل لها حدًّا (٢) معلومًا، ثم عَذَر أَهلَها في حالِ عُذْرٍ غَيرَ الذِّكْرِ، فإن الله لم يَجْعَلْ له جَدًّا يُنتهى إليه، ولم يَعذِرُ أحدًا في تَرْكِه إلا مغلوبًا على عقلِه، فقال: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾. بالليلِ والنهارِ، في البرِّ والبحرِ، وفى السَّفَرِ والحَضَرِ، والغِنى والفقرِ، والسَّقَمِ والصحةِ، والسَّرِّ والعلانيةِ، وعلى كلِّ حالٍ (٣).

وأمَّا قولُه: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾. فإن أهلَ التأويلِ اختَلفوا في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معنى قولِه: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ﴾، فإذا اسْتَقْرَرْتُم في أوطانِكم، وأقَمْتم في أمصارِكم ﴿فَأَقِيمُوا﴾. يعنى: فأتِمُّوا الصَّلاةَ التي أُذِن لكم بقَصْرِها في حالِ خَوْفِكم في سَفَرِكم، وضَرْبِكم في الأرضِ.


(١) في الأصل: "واذكروا الله ذكرًا كثيرًا". وفى م: "فاذكروا الله قيامًا".
(٢) في م، ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "جزاء".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٠٥٦ (٥٩١١) من طريق أبي صالح به، دون أوله، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢١٤ إلى ابن المنذر.