للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقراءةُ التي لا أستجيزُ القراءةَ بغيرِها قراءةَ مَن قرَأ: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾. بمعنى جمع الأُنثى؛ لأنها كذلك في مصاحفِ المسلمين، ولإجماعِ الحجةِ على قراءةِ ذلك كذلك.

وأولى التأويلاتِ التي ذُكِرت بتأويلِ ذلك - إذ كان الصوابُ عندَنا مِن القراءةِ ما وصَفْتُ - تأويلُ مَن قال: عنِى بذلك الآلهةُ التي كان مشرِكو العربِ يَعْبُدونها مِن دونِ اللهِ، ويُسَمُّونها بالإناثِ مِن الأسماءِ، كاللاتِ والعزَّى ونائلةَ ومناةَ، وما أشبَه ذلك.

وإنما قلنا ذلك أولى بتأويلِ الآية؛ لأن الأظهرَ مِن معاني الإناثِ في كلامِ العربِ ما عُرَّف بالتأنيثِ دونَ غيره، فإذ كان ذلك كذلك، فالواجبُ توجيهُ تأويلِه إلى الأَشْهرِ مِن معانيه، وإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الآيةِ: ومَن يُشَاقِقِ الرسولَ مِن بعدِ ما تَبَيَّن له الهدى، [ويَتَّبِعْ غيرَ سبيلِ المؤمنين] (١)، نُوَلِّه ما تولَّى ونُصْلِه جهنمَ وساءَت مصيًرا، ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾، يَقولُ: ما يَدْعُو الذين يُشَاقُّون الرسولَ ويَتَّبِعون غيرَ سبيلِ المؤمنين شيئًا مِن دونِ اللهِ بعدَ اللهِ وسواه (٢) ﴿إِلَّا إِنَاثًا﴾، يَعْنى: إلا ما سمَّوه بأسماءِ الإناثِ، كاللاتِ والعزَّى وما أشبَه ذلك، يَقُولُ جلَّ ثناؤُه: فحسِب هؤلاء الذين أشرَكوا باللهِ وعبَدوا ما عبَدوا مِن دونِه مِن الأوثانِ والأندادِ - حجةً عليهم في ضلالتِهم وكفرِهم وذهابِهم عن قصدِ السبيلِ - أنهم يَعْبُدُون إناثًا ويَدْعُونها آلهةً وأربابًا. والإناتُ مِن كلِّ شيءٍ أخسُّه (٣). فهم يُقِرُّون للخسيسِ مِن الأشياءِ بالعبوديةِ على علمٍ منهم بخساستِه، ويَمْتَنِعون مِن


(١) سقط من: الأصل.
(٢) في الأصل: "رسوله".
(٣) في الأصل: "أخشنه".